وقال كعب ومقاتل بن حيان : الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلّا تلك الليلة ، ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقال الواقدي : هو ملك عظيم [من أعظم الملائكة خلقا] (١) يخلق من الملائكة.
(فِيها) أي في ليلة القدر (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) قدّره الله سبحانه وقضاه في تلك السنة إلى قابل ، لقوله سبحانه في الرعد : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (٢) أي بأمر الله.
وقد أخبرنا محمد بن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن الجهم قال : حدّثنا يحيى بن زياد الفرّاء قال : حدّثني أبو بكر بن عباس عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّه كان يقرأ من كل امرئ سلام ، ورويت هذه القراءة أيضا عن علي بن أبي طالب وعكرمة ، ولها وجهان :
أحدهما : إنّه وجّه معناه إلى الملك أي من كلّ ملك سلام.
والثاني : أن يكون من بمعنى على تقديره : على كل امرئ من المسلمين سلام من الملائكة كقوله سبحانه : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) (٣) أي على القوم ، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة ؛ لإجماع الحجّة من القراءة عليها ولموافقتها خطّ المصاحف ؛ لأنه ليس فيها ياء.
وقوله : (سَلامٌ هِيَ) تمام الكلام عند قوله : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ثم ابتدأ فقال سبحانه : (سَلامٌ هِيَ) أي ليلة القدر سلام وخير كلّها ليس فيها شر.
قال الضّحاك : لا يقدر الله سبحانه في تلك الليلة إلّا السلامة ، فأمّا في الليالي الأخر فيقضي الله تعالى فيهنّ البلاء والسلامة ، قال مجاهد : هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أن يحدث فيها أذى.
وقال الشعبي ومنصور بن زاذان : هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر ، يمرون على كلّ مؤمن ويقولون : السلام عليك يا مؤمن.
(حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) حتى حرف غاية ، مجازها إلى مطلع الفجر. قرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي وخلف بكسر اللام ، غيرهم بفتحه وهو الاختيار ؛ لأن المطلع بفتح اللام بمعنى الطلوع يقال : طلعت الشمس طلوعا ومطلعا ، فأمّا المطلع بكسر اللام فإنّه موضع الطلوع ، ولا معنى للاسم في هذا الموضع ، إنّما هو لمعنى المصدر ، والله أعلم.
__________________
(١) عن تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٩٦.
(٢) سورة الرعد : ١١.
(٣) سورة الأنبياء : ٧٧.