أرضه ؛ ليضعه تحت قدمه [ومن يهينه] ، فلمّا انتهى إليه ذلك رضي عنه فأقرّه على عمله ، وكتب إليه أن يثبت بمن معه من الجند.
ثم إن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء يقال لها : الفليس ، وكتب إلى النجاشي : قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها قط ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حجيج العرب. فسمع بذلك رجل من بني مالك بن كنانة فخرج إلى القليس فدخلها ليلا وقعد فيها ، فبلغ أبرهة ذلك ، ويقال : إنه أتاها ناظرا إليها فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة ، فقال : من اجترأ عليّ؟ فقيل صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت ، سمع بالذي قلت فصنع هذا ، فحلف أبرهة عند ذلك ليسيرنّ إلى الكعبة حتى يهدمها.
فخرج سائرا في الحبشة وخرج معه بالفيل ، فسمعت بذلك العرب فأعظموه [وفظعوا به] ورأوا جهاده حقّا عليهم ، فخرج ملك من ملوك حمير يقال له : ذو نفر بمن أطاعه من قومه ، فقابله فهزمه وأخذ ذو نفر فأتى به ، فقال : أيها الملك لا تقتلني فإنّ استبقائي خير لك من قتلي ، فاستبقاه وأوثقه.
وكان أبرهة رجلا حليما ، ثم خرج سائرا حتى دنا من بلاد خثعم فخرج نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم شهدان وأهش ومن اجتمع إليه من قبايل اليمن فقاتلوه فهزمهم وأخذ النفيل ، فقال نفيل : أيّها الملك إني دليل بأرض العرب فلا تقتلني وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة ، فاستبقاه ، وخرج معه يدلّه حتى [إذا] مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجال من ثقيف فقال : أيّها الملك إنّما نحن عبيدك ليس لك عندنا من خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد ـ يعنون اللّات ـ إنما تريد البيت الذي بمكّة ، نحن نبعث من يدلّك عليه ، فبعثوا أبا رغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره.
وبعث أبرهة من المغمس رجلا من الحبس يقال له : الأسود بن مقصود على مقدّمة خيله فجمع إليه أموال الحرم وأصاب لعبد المطّلب مائتي بعير ، فقال عبد الله بن عمر بن مخزوم :
اللهم اخز الأسود بن مقصود |
|
الآخذ الهجمة فيها التقليد |
بين حراء وبثير فالبيد |
|
يحبسها وهي أولات التطريد |
فضمها إلى طماطم سود |
|
قد أجمعوا أو يكون معبود |
ويهدموا البيت الحرام المعمود |
|
والمروتين والمشاعر السود |
أضفره يا رب وأنت محمود (١) |
__________________
(١) الهجمة : القطعة الضخمة من الإبل ، والتقليد : وضع علامة للهدي ، والبيد : جمع البيداء هي الفلاة. وحراء وبثير : جبلان بمكة ، وتطريد الإبل : تتابعها ، والطماطم : العلوج.