كما أن مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز لإن إتيان المتكلّم والخطيب وخروجه من شيء الى شيء آخر أفضل من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١) (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٢) في غير موضع من سورة واحدة وقال سبحانه : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) (٣) وقال : تعالى (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (٤) وقال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥) كل هذا أراد به التأكيد ، ويقول القائل : ارم ارم ، عجّل عجل ، ومنه الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صعد المنبر ذات يوم فقال : «إن بني مخزوم استأذنوا أن ينكحوا فتاتهم عليا فلا آذن ثم لا آذن ، لأنّ فاطمة بضعة مني يسرّها ما يسرّني ويسوءها ما يسوءني» [٢٨٧].
ومنه قول الشاعر :
هلا سألت جموع كندة |
|
يوم ولوا أين أينا (٦) |
وقال آخر :
يا علقمه يا علقمه يا علقمه |
|
خير تميم كلّها وأكرمه (٧) |
وقال آخر :
قربا مربط النعامة مني |
|
لقحت حرب وائل عن حيان (٨) |
ثم قال في عدة أبيات من هذه القصيدة :
لقحت حرب وائل عن حيان
وأنشدني أبو القاسم بن حبيب قال : أنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن المظفر الأنباري قال : أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن القاسم الأنباري لبعض نساء الإعراب.
يقول رجال زوجها لعلها |
|
تقر وترضى بعده بحليل |
فأخفت في النفس التي ليس دونها |
|
رجاء وان الصدق أفضل قيل |
أبعد ابن عمي سيد القوم مالك |
|
أزفّ الى بعل ألدّ كليل |
__________________
(١) سورة الرحمن.
(٢) سورة المرسلات : ١٥.
(٣) سورة النبأ : ٤ ـ ٥.
(٤) سورة الانفطار : ١٧.
(٥) سورة الشرح : ٥ ـ ٦.
(٦) تفسير القرطبي : ٢٠ / ٢٢٧.
(٧) فتح القدير : ٥ / ٥٠٧.
(٨) لسان العرب : ٧ / ٨٢.