العظام ، والمراد بها نفسه كلّها لأن العظام قالب الخلق ولن يستوي الخلق إلّا باستوائها ، وقيل : هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقول الآخر : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (١).
ثم قال سبحانه : (بَلى قادِرِينَ) أي نقدر استقبال صرف إلى الحال ، قال الفراء : (قادِرِينَ) نصب على الخروج من (نَجْمَعَ) كأنك قلت في الكلام : أيحسب أن لن يقوى عليك ، (بَلى قادِرِينَ) على أقوى منك ، يريد بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا (٢) ، وقرأ ابن أبي غيلة قادرون بالرفع ، أي بلى نحن قادرون ، ومجاز الآية : بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك ، وهو : (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أنامله فيجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحد كخف البعير ، أو كظلف الخنزير ، أو كحافر الحمار ، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا ولكنا فرقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء ، ويقبض إذا شاء ويبسط إذا شاء فحسّنا خلقه. هذا قول عامة المفسرين.
وقال القبيسي : ظن الكافر أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام البالية ، فقال الله سبحانه : (بَلى قادِرِينَ) أن نعيد السلاميات على صغرها ونؤلف بينها حتى نسوي البنان ، ومن يقدر على هذا فهو على جمع كبار العظام أقدر! وهذا كرجل قلت له : أتراك تقدر على أن تؤلف من هذا الحنظل في خيط ويقول نعم وبين الخردل.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) يقول تعالى ذكره : ما يجهل ابن آدم أن ربّه قادر على جمع عظامه بعد الموت ، ولكنّه يريد أن يفجر أمامه ، أي يمضي قدما في معاصي الله راكبا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب ، هذا قول مجاهد والحسن وعكرمه والسدي ، وقال سعيد بن جبير : يقدم الذنب ويؤخر التوبة ، يقول : سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله ، وقال الضحاك : هو الأمل يأمل الإنسان يقول : أعيش وأصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت ، وقال ابن عباس وابن زيد : يكذّب بما أمامه من البعث والحساب ، وقال ابن كيسان : يريد أن تأتيه الآخرة التي هي أمامه فيراها في دار الدنيا.
وأصل الفجور : الميل ، ومنه قيل للكافر والفاسق والكافر : فاجر ، لميلهم عن الحق ، وقال السدي أيضا : يعني ليظلم على قدر طاقته ، وقيل : يركب رأسه في هواه ويهتم حيث قادته نفسه.
(يَسْئَلُ أَيَّانَ) متى (يَوْمُ الْقِيامَةِ) فبيّن الله له ذلك فقال عزّ من قال : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) قرأ أبو جعفر ونافع وابن أبي إسحاق : بَرَقَ بفتح الراء وغيرهم بالكسر.
__________________
(١) سورة يس : ٧٨.
(٢) تفسير الطبري : ٢٩ / ٢١٩.