مصر على كفره. ويمكن أيضا ان يكون قوله تعالى : (إلا قول ابراهيم لابيه) استثناء من غير التأسي ، بل من الجملة الثانية التي تعقبها. هذا القول بلا فصل وهي قوله (إذ قالوا لقومهم انا برآء منكم) إلى قوله (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء) ابدا ، لانه لما كان استغفار ابراهيم (ع) لابيه مخالفا لما تضمنته هذه الجملة ، وجب استثناءه. ولا نوهم بظاهر الكلام انه عامل اباه من العداوة والبراءة بما عامل به غيره من الناس. فأما قوله تعالى : (الا عن موعدة وعدها اياه) فقد قيل ان الموعدة انما كانت من الاب بالايمان للابن ، وهو الذي قدمناه. وقيل انها كانت من الابن بالاستغفار للاب في قوله : لاستغفرن لك. والاولى أن تكون الموعدة هي من الاب بالايمان للابن ، لانا إن حملناه على الوجه الثاني كانت المسألة قائمة. ولقائل ان يقول : ولم أراد ان يعده بالاستغفار وهو كافر؟ وعند ذلك لابد ان يقال إنه أظهر له الايمان حتى ظنه به. فيعود إلى معنى الجواب الاول. فإن قيل : فما تنكرون من ذلك ، ولعل الوعد كان من الابن للاب بالاستغفار ، وإنما وعده به لانه اظهر له الايمان؟ قلنا ظاهر الآية منع من ذلك ، لانه تعالى قال : (وما كان استغفار ابراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه) فعلل حسن الاستغفار بالموعدة ، ولا يكون الموعدة مؤثرة في حسن الاستغفار إلا بأن يكون من الاب للابن بالايمان ، لانها إذا كانت من الابن لم يحسن له لها الاستغفار ، لانه ان قيل انما وعده الاستغفار لاظهاره له الايمان ، فالمؤثر في حسن الاستغفار هو اظهار الايمان لا الموعدة. فإن قيل : افليس اسقاط عقاب الكفر والغفران لمرتكبه كانا جائزين من طريق العقل ، وانما منع منه السمع ، وإلا جاز ان يكون ابراهيم عليه السلام انما استغفر لابيه لان السمع لم يقطع له على عقاب الكفار. وكان باقيا على حكم العقل ، وليس يمكن ان يدعي ان ما في شرعنا من القطع على عقاب الكفار كان في شرعه لان هذا لا سبيل إليه