قلنا : هذا الوجه كان جائزا لولا ما نطق به القرآن من خلافه ، لانه تعالى لما قال : (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم) قال عاطفا على ذلك : (وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) فصرح بعلة حسن استغفاره ، وأنها الموعدة. وكان الوجه في حسن الاستغفار على ما تضمنه السؤال ، لوجب أن يعلل استغفاره لابيه بأنه لم يعلم أنه من أهل النار لا محالة ، ولم يقطع في شرعه على عقاب الكفار. والكلام يقتضي خلاف هذا ، ويوجب أنه ليس لابراهيم (ع) من ذلك ما ليس لنا ، وأن عذره فيه هو الموعدة دون غيرها. وقد قال أبو علي بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي في تأويل الآية التي في التوبة ، ما نحن ذاكروه ومنبهون على خلافه. قال بعد أن ذكر أن الاستغفار انما كان لاجل الموعدة من الاب بالايمان : ان الله تعالى انما ذكر قصة إبراهيم (ع) بعد قوله (ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين) لئلا يتوهم احد ان الله عزوجل كان جعل لابراهيم عليه السلام من ذلك ما لم يجعله للنبي صلى الله عليه وآله ، لان هذا الذي لم يجعله للنبي صلى الله عليه وآله لا يجوز ان يجعله لاحد ، لانه ترك الرضا بأفعال الله تعالى وأحكامه. وهذا الذي ذكره غير صحيح على ظاهره ، لانه يجوز ان يجعل لغير نبينا صلى الله عليه وآله ممن لم يقطع له ، على ان الكفار معاقبون لا محالة ، ان يستغفر للكفار ، لان العقل لا يمنع من ذلك. وإنما يمنع السمع الذي فرضنا ارتفاعه. فان قال : اردت انه ليس لاحد ذلك مع القطع على العقاب ، قلنا : ليس هكذا يقتضي ظاهر كلامك. وقد كان يجب إذا أردت هذا المعنى ان تبينه وتزيل الابهام عنه ، وإنما لم يجز أن يستغفر للكفار مع ورود الوعيد القاطع على عقابهم ، زايدا على ما ذكره ابو علي من