سبق إلى قلبك من تهمتنا وان كنا صادقين. وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر إذا اراد ان يوقع في قلب من يخبره بالشئ صدقه ، لان القتل من أفظع مصائب الدنيا ، فيقول انا اعلم انك لا تصدقني في كذا وكذا. وان كنت صادقا ، وهذا بين. تنزيه يعقوب عن الحزن المكروه : (مسألة) فان قيل : فلم اسرف يعقوب (ع) في الحزن والتهالك وترك التماسك حتى ابيضت عيناه من البكاء والحزن ، ومن شأن الانبياء عليهم السلام التجلد والتصبر وتحمل الاثقال ، ولولا هذه الحال ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم؟ الجواب : قيل له ان يعقوب عليه السلام بلي وامتحن في ابنه بما لم يمتحن به احد قبله ، لان الله تعالى رزقه مثل يوسف عليه السلام احسن الناس واجملهم واكملهم عقلا وفضلا وادبا وعفافا ثم اصيب به اعجب مصيبة واطرفها ، لانه لم يمرض بين يديه مرضا يؤول إلى الموت فيسليه عنه تمريضه له ثم يأسه منه بالموت ، بل فقده فقدا لا يقطع معه على الهلاك فييأس منه ، ولا يجد إمارة على حياته وسلامته ، فيرجو ويطمع. وكان متردد الفكر بين يأس وطمع ، وهذا اغلظ ما يكون على الانسان وانكأ لقلبه ، وقد يرد على الانسان من الحزن ما لا يملك رده ولا يقوى على دفعه. ولهذا لم لا يكون احدنا منهيا عن مجرد الحزن والبكاء ، وانما نهي عن اللطم والنوح ، وان يطلق لسانه فيما يسخط ربه وقد بكى نبينا صلى الله عليه وآله على ابنه ابراهيم عند وفاته. وقال : العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما يسخط الرب ، وهو القدرة في جميع الآداب والفضائل على ان يعقوب (ع) انما ابدى من حزنه يسيرا من كثير ، وكان ما يخفيه ويتصبر عليه ويغالبه اكثر وأوسع مما اظهره. وبعد ، فإن التجلد على المصائب وكظم الغيظ والحزن من المندوب إليه ، وليس بواجب ولا لازم ، وقد يعدل الانبياء عن كثير من المندوبات الشاقة ، وان كانوا يفعلون من ذلك الكثير. حول الرؤيا التي رآها يوسف (ع) : (مسألة) فان قيل : كيف لم يتسل يعقوب (ع) ويخفف عنه الحزن ما يحققه من رؤيا ابنه يوسف ،