طبيعتك ، كما يقول أحدنا لغيره : انك لا تستطيع ان تنظر الي. وكما يقال للمريض الذي يجهده الصوم وان كان قادرا عليه : انك لا تستطيع الصيام ولا تطيقه ، وربما عبر بالاستطاعة عن الفعل نفسه كما قال الله تعالى حكاية عن الحواريين : (هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء) فكأنه على هذا الوجه قال : انك لن تصبر ولن يقع منك الصبر. ولو كان إنما نفى القدرة على ما ظنه الجهال ، لكان العالم وهو في ذلك سواء ، فلا معنى لاختصاصه بنفي الاستطاعة ، والذي يدل على انه نفي عنه الصبر لاستطاعته قول موسى (ع) في جوابه : (ستجدني ان شاء الله صابرا) ولم قل ستجدني ان شاء الله مستطيعا. ومن حق الجواب أن يطابق الابتداء ، فدل جوابه على ان الاستطاعة في الابتداء هي عبارة عن الفعل نفسه. وأما قوله : (فلا اعصي لك أمرا) فهو ايضا مشروط بالمشيئة ، وليس بمطلق على ما ذكر في السؤال ، فكأنه قال ستجدني صابرا ولا اعصي لك امرا ان شاء الله. وانما قدم الشرط على الامرين جميعا وهذا ظاهر في الكلام. وأما قوله : (لقد جئت شيئا امرا) فقد قيل انه أراد شيئا عجبا ، وقيل أنه أراد شيئا منكرا ، وقيل أن الامر أيضا هو الداهية. فكأنه قال جئت داهية. وقد ذهب بعض أهل اللغة إلى ان الامر مشتق من الكثرة من أمر القوم إذا كثروا ، وجعل عبارة عما كثر عجبه ، وإذا حملت هذه اللفظة على العجب فلا سؤال فيها ، وان حملت على المنكر كان الجواب عنها وعن قوله لقد جئت شيئا نكرا واحدا. وفي ذلك وجوه : منها : ان ظاهر ما اتيته المنكر ومن يشاهده ينكره قبل ان يعرف علته. ومنها : ان يكون حذف الشرط فكأنه قال ان كنت قتلته ظالما فقد جئت شيئا نكرا. ومنها : أنه أراد انك أتيت أمرا بديعا غريبا ، فإنهم يقولون فيما يستغربونه ويجهلون علته أنه نكر ومنكر ، وليس يمكن ان يدفع خروج الكلام مخرج