لمساكين يعملون في البحر) والسفينة البحرية تساوي المال الجزيل ، وكيف يسمى مالكها بأنه مسكين والمسكين عند قوم شر من الفقير؟ وكيف قال : (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) ومن كان وراءهم قد سلموا من شره ونجوا من مكروهه وانما الحذر مما يستقبل. قلنا أما قوله : لمساكين ففيه أوجه : منها أنه لم يعن بوصفهم بالمسكنة الفقر ، وإنما أراد عدم الناصر وانقطاع الحيلة. كما يقال لمن له عدو يظلمه ويهضمه انه مسكين ومستضعف وان كان كثير المال واسع الحال. ويجري هذا مجرى ما روي عنه عليه السلام من قوله : «مسكين مسكين رجل لا زوجة له». وانما أراد وصفه بالعجز وقلة الحيلة وان كان ذا مال واسع. ووجه آخر : وهو ان السفينة الواحدة البحرية التي لا يتعيش الا بها ولا يقدر على التكسب إلا من جهتها كالدار التي يسكنها الفقير هو وعياله ولا يجد سواها ، فهو مضطر إليها ومنقطع الحيلة إلا منها. فإذا انضاف إلى ذلك ان يشاركه جماعة في السفينة حتى يكون له منها الجزء اليسير ، كان اسوأ حالا وأظهر فقرا. ووجه آخر : ان لفظه المساكين قد قرئت بتشديد السين وفتح النون ، فإذا صحت هذه الرواية فالمراد بها البخلاء. وقد سقط السؤال. فأما قوله تعالى : (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) فهذه اللفظة يعبر بها عن الامام والخلف معا. فهي ها هنا بمعنى الامام. ويشهد بذلك قوله تعالى : (ومن ورائه جهنم) يعني من قدامه وبين يديه. وقال الشاعر : ليس على طول الحياة ندم * ومن وراء المرء ما لا يعلم وقال الآخر : اليس ورائي ان تراخت منيتي * لزوم العصى تحنى عليها الاصابع ولا شبهة في أن المراد بجميع ذلك : القدام. وقال بعض أهل العربية إنما صلح ان يعبر بالوراء عن الامام إذا كان الشئ المخبر عنه بالوراء يعلم انه لابد من بلوغه ثم يسبقه ويخلفه. فتقول العرب : البرد وراءك وهو يعني قدامك ، لانه قد علم أنه لابد من ان يبلغ البرد ثم يسبق. ووجه آخر : وهو أنه يجوز ان يريد