تطفو عليه أرضنا ، وهو الحوض الذي تتدفق منه منابع الجداول والأنهار.
وكان «إيا» (انكي) هو إله السحر والمعوّذ بين الآلهة ، ولا غرو فالماء كان يستعمل في التطهير والقضاء والتنبؤ ، وكان ماء «إبسو» المقدس في معبد مدينة «أريدو» (أبو شهرين الحالين على مبعدة سبعة أميال جنوب غرب مدينة أور) يستخدم كثيرا في طقوس السحر للشفاء أو الوقاية من الأمراض.
وكان «إيا» كذلك إلها للحكمة ، خلق الإنسان من كتلة من الطين (الطمي) ، ثم نفخ فيها نسمة الحياة ، وهو الذي أنقذ البشر من الفناء في زمن الطوفان؟) وعلمهم مختلف الصناعات ، ومنح الذكاء للملوك ، وهو الذي أقام عبادة الآلهة على الأرض.
وكانت زوجته «ننكي» ، ومعنى اسمها في السومرية «سيدة الأرض» ، وقد سميت فيما بعد «دمكينا» ، وكانت مدينة «أريدو» المركز الرئيسي لعبادتهما.
هذا وقد عرف القوم كذلك عبادة الكواكب ، ومن ثم فقد كان هناك ثالوث آخر من أجرام سماوية هي : الشمس والقمر وكوكب الزهرة (١) (نجم الصباح) ، وكان إله القمر يعدّ أقدم آلهة هذا الثالوث ، ويعتبر أبا لإله الشمس وكوكب الزهرة ، وعلى هذا كان إله الشمس أخا للزهرة ، وكانت الزهرة أختا
__________________
(١) سادت جنوب بلاد العرب عبادة ثالوث من الكواكب هي القمر والشمس والزهرة ، ويمثل القمر في هذا الثالوث دور الأب ، كما تمثل الشمس دور الأم ، بينما تمثل الزهرة دور الابن ، وربما كان العرب الجنوبيون متأثرين في هذا الثالوث ببلاد النهرين ، حيث يحتل هذا الثالوث فيها مكانة ممتازة ، وإن كنت أميل إلى أن عبادة التثليث هذه كانت أمرا مشاعا بين سكان المنطقة العربية كلها ، ومن ثم فقد رأيناه في بلاد الرافدين وسورية وفينيقيا ، وإلى حد ما في مصر ، بل إن الرمز الذي اتخذه أهل بابل وآشور وسورية وآسيا الصغرى ، لإله الشمس ، وهو قرص ذو جناحين ، إنما هو رمز الشمس في مصر ، ومع ذلك فربما كان تأثير بلاد الرافدين الديني على جنوب بلاد العرب ، أكبر من تأثير غيرهم من الساميين (محمد بيومي مهران : الديانة العربية القديمة ص ١٩).