يمسك بالذي كفر ، فيبهت ويبلس ويتحير ، ولا يهديه الله إلى الحق ، لأنه لم يلتمس الهداية ، ولم يرغب في الحق ، ولم يلتزم القصد والعدل «وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (١).
وهذا التنزيل على هذا المعنى ، كما يقول الإمام ابن كثير ، أحسن مما ذكره كثير من المنطقيين ، أن عدول إبراهيم عن المقام الأول إلى المقام الثاني ، انتقال من دليل إلى أوضح منه ، ومنهم من قد يطلق عبارة ترديه ، وليس كما قالوه ، بل المقام الأول يكون كالمقدمة للثاني ، ويبيّن بطلان ما ادعاه نمرود في الأول والثاني (٢).
وانطلاقا من كل هذا ، فلا محل للشبهة التي يوردها بعض الناس على حجة إبراهيم عليهالسلام ، وهي أنه كان للنمرود أن يقول له : إذا كان ربك هو الذي يأتي بالشمس من المشرق ، وهو قادر على ما طالبتني به من الاتيان بها من المغرب ، فليأت بها يوما ما ، قال بعض المقلدين : ولا يمكن أن يسأل إبراهيم ربه ذلك ، لأن فيه خراب العالم ، وقال بعض المرتابين : إنه لو قال له نمرود ذلك لألزمه ، وقد فهم نمرود ، على طغيانه وغروره ، من الحجة ما لا يفهم هؤلاء القائلون ، فهم أن مراد إبراهيم أن هذا النظام في سير الشمس لا بد له من فاعل حكيم ، إذ لا يكون مثله بالمصادفة والاتفاق ، وإن ربي الذي أعبده هو ذلك الفاعل الحكيم الذي قضت حكمته بأن تكون الشمس على ما نرى ، ومن فهم هذا لا يمكن أن يقول : اطلب من هذا الحكيم أن يرجع عن حكمته ويبطل سنته ، كذلك لا محل لقول بعضهم لم سكت إبراهيم عن كشف شبهته الأولى ، إذ زعم أن ترك القتل إحياء ، فقد علمت أن مسألة الشمس قد كشفت ذلك انكشافا لا يخفى إلا على من تخفى عليه الشمس (٣).
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ / ٢٩٨.
(٢) تفسير ابن كثير ١ / ٤٦٩.
(٣) تفسير المنار ١١ / ٤٠.