والتعجب وفعل الاستفهام ، محذوف وكذا جواب الشرط ، أيتبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للثواب ، أيتبعونهم أيضا؟ وتقرير الجواب أن يقال للمقلد : أعرفت أن المقلد محق أم لا. فإن لم تعرف فكيف قلدته مع احتمال كونه مبطلا ، وإن عرفت فإما بتقليد آخر ويستلزم التسلسل ، أو بالعقل فذلك كاف في معرفة الحق والتقليد ضائع. وأيضا علم المقلد إن حصل بالتقليد تسلسل ، وإن حصل بالدليل فإنما يتبعه المقلد إذا علم ذلك الدليل أيضا وإلا كان مخالفا فظهر .. .. (١) فقال وضلال (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فيه للعلماء طريقان : أحدهما تصحيح المعنى بإضمار إما في المشبه أي مثل من يدعو الحق كمثل الذي ينعق يقال : نعق الراعي بالضأن إذا صاح بها. وأما نغق الغراب فبالغين المعجمة شبه الداعي إلى الحق براعي الغنم والكفرة بالغنم ووجه التشبيه أن البهيمة تسمع الصوت ولا تعلم المراد ، وهؤلاء الكفار يسمعون صوت الرسول وألفاظه وما كانوا ينتفعون بها فكأنهم لا يفهمون معانيها. وإما بإضمار في المشبه به أي مثل الذين كفروا كبهائم الذي ينعق الطريق. الثاني : التصحيح بغير إضمار أي مثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع ، لكن قوله (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) لا يساعد عليه لأن الأصنام لا تسمع شيئا. أو مثلهم في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل فإنه لا يسمع إلا صدى صوته. فإذا قال : يا زيد. يسمع من الصدى يا زيد ، فكذلك هؤلاء الكفار إذا دعوا الأوثان لا يسمعون إلا ما تلفظوا به من الدعاء والنداء. أو مثلهم في قلة عقلهم حيث عبدوا الأوثان كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم. فكما أن الكلام مع البهائم دليل سخافة العقل فكذلك عبادتهم لها أي ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل الذي يتكلم مع البهائم ، فكما أن ذلك عبث ضائع فكذا تقليدهم واتباعهم (صُمٌ) عن استماع الحق والانتفاع به (بُكْمٌ) عن إجابة الداعي إلى سبيل الخير (عُمْيٌ) عن النظر في الدلائل (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) العقل المسموع ولا المطبوع وذلك أن طريق الاكتساب الاستعانة بالحواس ولهذا قيل : من فقد حسا فقد علما. فلما فقدوا فائدة الحواس فكأنهم عدموها خلقة ، قال شابور بن أردشير : العقل نوعان : مطبوع ومسموع. فلا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه فإن أحدهما بمنزلة العين والآخر بمثابة الشمس ولا يكمل الإبصار إلا بتعاونهما. وقال النبي صلىاللهعليهوسلم «إن لكل شيء دعامة ودعامة عمل المرء عقله» فبقدر عقله تكون عبادته لربه. أما سمعتم قول الله عزوجل حكاية عن الفجار؟ (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١٠] وقال : «ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى».
التأويل : الذين كفروا لم يسمعوا إذ خاطبهم الحق بقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف :
__________________
(١) موضع النقط كلمات مطموسة في الأصل.