وعلى هذا فالإجابة عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب كقوله تعالى (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الشورى : ٢٦] وقيل : المراد من الدعاء التوبة. وذلك أن التائب يدعو الله عند التوبة ، فإجابة الدعوة على هذا التفسير عبارة عن قبول التوبة.
قوله عزوجل : (أُحِلَّ لَكُمْ) الآية جمهور المفسرين على أنها ناسخة لما عليه الناس في أول الإسلام. روي عن ابن عباس أنه لما نزلت (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) كانوا إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب وصاموا إلى القابلة ، فاختان رجل فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر ، فأراد الله أن يجعل ذلك تيسيرا لمن بقي ورخصة ومنفعة. وعن البراء قال : كان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ويومه حتى يمسي. وقال : إن قيس بن صرمة الأنصاري ، أو صرمة بن قيس ، أو قيس بن عمرو ـ على اختلاف الروايات ـ كان صائما. فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : أعندك طعام؟ قالت : لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عينه فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ، فلما انتصف النهار غشي عليه. فذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت (أُحِلَّ لَكُمْ) ففرحوا بها فرحا شديدا ، وأبو مسلم خالف الجمهور بناء على مذهبه من أنه لم يقع في القرآن نسخ البتة. احتج الجمهور بوجوه منها. أنه تعالى شبه إيجاب الصوم على هذه الأمة بإيجابه على من قبلهم ، فيلزم منه حرمة الأكل والشرب والوقاع بعد النوم في شرعنا كما كانت في شرعهم. وإذا كانت الحرمة ثابتة فهذه الآية رافعة لها ناسخة لحكمها. ومنع أبو مسلم من أن مقتضى التشبيه حصول المشابهة في كل الأمور ، فلعلهم إنما كانوا يمتنعون من الأكل والشرب والوقاع اعتقادا منهم ببقاء تلك الحرمة في شرعنا كما هي في شرع من قبلنا مع جواز كونها مباحة في نفس الأمر. ومع قيام هذا الاحتمال فلا جزم بالنسخ ومنها قوله تعالى (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) ولو كان ذلك حلالا لم ينسبوا إلى الخيانة ، قيل : إن عمر رضياللهعنه واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة ، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه. فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة وأخبره بما فعل. فقال صلىاللهعليهوسلم : ما كنت جديرا بذلك يا عمر. فقام رجال فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء فنزلت. قال أبو مسلم : أصل الخيانة النقص. وخان واختان وتخوّن بمعنى واحد مثل كسب واكتسب وتكسب. والمعنى علم الله أنكم كنتم تنقصون أنفسكم حظها من اللذات لا من الثواب والخير. ومنها قوله (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ)