القياس. واتفقوا على أن شرط الاعتكاف الجلوس في المسجد لأنه مميز عن سائر البقاع من حيث إنه بنى لإقامة الطاعات. ثم اختلفوا فعن علي رضياللهعنه أنه لا يجوز إلا في المسجد الحرام لقوله تعالى (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) [البقرة : ١٢٥] أي لجميع العاكفين. وعن عطاء فيه وفي مسجد المدينة لقوله صلىاللهعليهوسلم «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» (١) وعن حذيفة فيهما وفي مسجد بيت المقدس لقوله صلىاللهعليهوسلم «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» (٢) الزهري : لا يصح إلا في الجامع. أبو حنيفة : لا يصح إلا في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب. الشافعي : يجوز في جميع المساجد لإطلاق قوله (فِي الْمَساجِدِ) إلا أن الجامع أولى حتى لا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة. ولا خلاف أن الاعتكاف مع الصوم أفضل وهل يجوز بغير صوم؟ الشافعي : نعم لأنه بغير الصوم عاكف وأنه تعالى منع العاكف من المباشرة ولو كان اعتكافه باطلا لما كان ممنوعا. وأيضا لو كان الاعتكاف موجبا للصوم لم يصح الاعتكاف في رمضان لأن ذمته مشغولة بالصوم الواجب لشهود الشهر فلا يمكنه الاشتغال بالصوم الذي يوجبه الاعتكاف ، لكنهم أجمعوا على صحة الاعتكاف في رمضان. وأيضا لو تلازما لخرج المعتكف عن اعتكافه بالليل كما يخرج عن الصوم لكنه لا يخرج. وأيضا روي أن عمر رضياللهعنه قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة ، فقال صلىاللهعليهوسلم : أوف بنذرك. ومعلوم أنه لا يجوز الصوم في الليلة. أبو حنيفة : لا يجوز لأنه يجب الصيام في الاعتكاف بالنذر فيجب بغير نذر أيضا كعكسه في الصلاة حال الاعتكاف ، وهو أن الصلاة لما لم تجب في النذر بالإجماع لم تجب في غير النذر ، أيضا وفرق بأن الصوم والاعتكاف متقاربان ، فكل منهما كف وإمساك ، والصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف فلا يجعل أحدهما وصفا للآخر ، ولهذا قلنا : إنه لو نذر أن يعتكف صائما أو يصوم معتكاف لزمه كلاهما ، والجمع بينهما. ولو نذر أن يعتكف مصليا أو يصلي معتكفا لزمه كلاهما دون الجمع بينهما. ويتفرع على المذهبين أنه يجوز أن ينذر
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب مسجد مكة باب ١. مسلم في كتاب الحج حديث ٥٠٥ ـ ٥١٠ النسائي في كتاب المناسك باب ١٢٤. الترمذي في كتاب المواقيت باب ١٢٦. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب ١٩٥ ، ١٩٨. الموطأ في كتاب القبلة حديث ٩.
(٢) رواه البخاري في كتاب مسجد مكة باب ١ ، ٦ مسلم في كتاب الحج حديث ٤١٥. أبو داود في كتاب المناسك باب ٤١٥. الترمذي في كتاب الصلاة باب ١٢٦. النسائي في كتاب المساجد باب ١٠. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب ١٩٦. الدارمي في كتاب الصلاة باب ١٣٢. الموطأ في كتاب الجمعة حديث ١٦. أحمد في مسنده (٢ / ٢٣٤ ، ٢٧٨).