الصحة لا إذاقة مرارة الدواء. وأيضا «كل ميسر لما خلق له» لو لم يرد بنا اليسر لم يجعلنا طالبين لليسر (شعر) :
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه |
|
من فيض جودك ما علمتني الطلبا |
(وَلِتُكْمِلُوا) عدة أنواع الغاية بجذبات (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) ولتعظموه (عَلى ما هَداكُمْ) إلى عالم الوصال بتجلي صفات الجمال (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة الوصال بتنزيه ذي الجلال عن إدراك عقول أهل الكمال وإحاطة الوهم والخيال. قوله سبحانه (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) اعلم أن في الإنسان تلونا في الأحوال. فتارة يكون بحكم غلبات الصفات الروحانية في ضياء نهار الواردات الربانية وحينئذ يصوم عن الحظوظ الإنسانية وهو حالة السكر ، وتارة يكون بحكم الدواعي والحاجات البشرية مردودا إلى ظلمات الصفات الحيوانية وهذه حالة الصحو ، فخصه الله تعالى بنهار كشف الأستار وطلوع شموس الأسرار ليصوموا فيه عما سواه ، وبليلة إسبال أستار الرحمة ليسكنوا فيها ويستريحوا بها كما منّ الله تعالى بقوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) [القصص : ٧٢] الآيتين. ومعنى الرفث إلى النساء التمتع بالحظوظ الدنيوية التي تتصرف النفس فيها تصرف الرجال في النساء (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) أي الصفات والحظوظ الإنسانية ستر لكم يحميكم عن حرارة شموس الجلال لكيلا تحرقكم سطوات التجلي (وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) تسترون معايب الدنيا بالأموال الصالحة واستعمال الأموال على قوانين الشرع والعقل «نعم المال الصالح للرجل الصالح» (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) بقدر الحاجة الضرورية (وَابْتَغُوا) بقوة هذه المباشرة (ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) من المقامات العلية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) في ليالي الصحو (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) آثار أنوار المحو فالأحوال تنقسم إلى بسط وقبض ، وزيادة ونقص ، وجذب وحجب ، وجمع وفرق ، وأخذ ورد ، وكشف وستر ، وسكر وصحو ، وإثبات ومحو ، وتمكين وتكوين ، كما قيل :
كأن شيئا لم يزل إذا أتى |
|
كان شيئا لم يكن إذا مضى |
(فِي الْمَساجِدِ) أي في مقامات القربة والأنس. وفيه إشارة إلى أنه يجب أن يكون الاشتغال بالضروريات من حيث الصورة وتكون الأسرار والأرواح مع الحق ، وهذا مقام أهل التمكين (فَلا تَقْرَبُوها) بالخروج عنها يا أهل الكشوف والعكوف وبالدخول فيها يا أهل الكسوف والخسوف حسبي الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ