فلعل المؤمن يوافق الكافر ، والاحتراز عن مظنة الارتداد أهم من الطموح إلى إسلام المشرك. فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا ولا يكون بينهم وبين المؤمنين إلا المناصبة والقتال. وقيل : المراد أنهم يدعون إلى ترك المحاربة والجهاد ، وفي ترك الجهاد استحقاق النار والعذاب. وغرض هذا القائل أن يجعل هذا فرقا بين الذمية وغيرها ، فإن الذمية لا تحمل زوجها على ترك الجهاد. وقيل : إن الولد الذي يحدث ربما دعاه الكافر إلى الكفر فيصير الولد من أهل النار فهذا هو الدعوة إلى النار. (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) حيث أمر بالتزوج بالمسلمة حتى يكون الولد مسلما من أهل الجنة ، أو المراد أن أولياء الله وهم المؤمنون يدعون إلى الجنة المغفرة وما يؤدي إليهما ، فهم الذين تحب موالاتهم ومصاهرتهم وأن يؤثروا على غيرهم (بِإِذْنِهِ) بتوفيق الله وتيسيره للعمل الذي يستحق به الجنة والغفران وقرى الحسن (وَالْمَغْفِرَةِ) بالرفع على الابتداء أي المغفرة كائنة بتيسيره (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) معناه واضح. وقد عرفت فيما مر أن التذكر محاولة استرجاع الصورة المحفوظة ، فكان الآيات تليه على ما هو مركوز في العقول من حقيقة دين الإسلام (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم : ٣٠].
التأويل : إن خمر الظاهر كما يتخذ من أجناس مختلفة كالعنب والتمر والعسل والحنطة والشعير وغيرها ، فكذلك خمر الباطن من أجناس مختلفة كالغفلة والشهوة والهوى وحب الدنيا وأمثالها. وهذه تسكر النفوس والعقول الإنسانية التي هي مناط التكليف فلهذا حرمت في عالم التكليف ، وأما ما يسكر القلوب والأرواح والأسرار فهو شراب الواردات في أقداح المشاهدات من ساقي تجلي الصفات إذا دارت الكؤوس انخمدت شهوات النفوس ، فتسكر القلوب بالمواجيد عن المواعيد ، والأرواح بالشهود عن الوجود ، والأسرار بمطالعة الجمال من ملاحظة الكمال ، وهذا شراب حلال لأنه فوق عالم التكليف ، وإنه يمزج الكثيف باللطيف فيه (مَنافِعُ لِلنَّاسِ) وملاذ لأهل القرب والاستئناس.
فصحوك من لفظي هو الوصل كله |
|
وسكرك من لحظي يبيح لك الشربا |
فما مل ساقيها وما مل شارب |
|
عقار لحاظ كأسه يسكر اللبا |
قوم أسكرهم وجود الشراب وقوم أسكرهم شهود الساقي.
فأسكر القوم دور كأس |
|
وكان سكري من المدير |
الكأس والشراب والساقي والمسقي هاهنا واحد كما قيل :