بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. وقرأ أبي وزيد بن ثابت التابوه بالهاء وهي لغة الأنصار. وأما وزن التابوت فلا يخلو إما أن يكون «فعلوتا» أو «فاعولا» لا سبيل إلى الثاني لقلة باب سلسل وقلق ولأنه تركيب غير معروف فهو «فعلوت» من التوب أي الرجوع لأنه ظرف ، فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته. والظاهر أن مجيء التابوت كان معجزة لنبي ذلك الزمان ، ومع كونه معجزة له كان آية قاطعة في ثبوت ملك طالوت ، وقيل : إن طالوت كان نبيا وإتيان التابوت معجزته لأنه كان مقرونا بالتحدي. والجواب أن التحدي كان من النبي صلىاللهعليهوسلم لأمته (فِيهِ سَكِينَةٌ) هي «فعيلة» من السكون ضد الحركة ومعناه الوقار ، ومصدر وقع موقع الاسم كالعزيمة. وأما البقية فبمعنى الباقية. يقال : بقي من الشيء بقية. والمراد بالسكينة والبقية إما أن يكون شيئا حاصلا في التابوت أولا ، والثاني قول الأصم وعلى هذا فمعناه أنه متى جاءهم التابوت من السماء وشاهدوا تلك الحالة اطمأنت نفوسهم وأقروا له بالملك وانتظم أمر ما بقي من دين موسى وهارون ومن شريعتهما فهذاكقوله صلىاللهعليهوسلم «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» (١) أي بسببها. وعلى الأول أقوال فعن أبي مسلم : كان في التابوت بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء عليهمالسلام بأن الله تعالى ينصر طالوت وجنوده فيزول خوف العدو عنهم. وعن ابن عباس : هي صورة من زبرجد وياقوت لها رأس كرأس الهر ، وذنب كذنبه ، وجناحان فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه ، فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وعن علي رضياللهعنه : كان لها وجه كوجه الإنسان ، وفيها ريح هفافة أي طيبة. وأما البقية فهي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة وقفيز من المنّ الذي أنزل عليهم. قال بعض العلماء : إنما أضيف ذلك إلى آل موسى وآل هارون لأن ذلك التابوت قد تداولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت. وفي التابوت أشياء توارثها العلماء من أتباع موسى وهارون فيكون الآل هم الأتباع. قال تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) [غافر : ٤٦] (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة : ٤٩] ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما كقوله صلىاللهعليهوسلم لأبي موسى الأشعري «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» (٢) وأراد به داود
__________________
(١) رواه النسائي في كتاب القسامة باب ٣٣. أبو داود في كتاب الديات باب ١٦. أحمد في مسنده (٢ / ١٧٨ ، ١٨٢) بلفظ «من قتل خطأ فديته مائة من الإبل».
(٢) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب ٣١. مسلم في كتاب المسافرين حديث ٢٣٥.
الترمذي في كتاب المناقب باب ٥٥. النسائي في كتاب الافتتاح باب ٨٣. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب ١٧٦. الدارمي في كتاب الصلاة باب ١٧١.