الوفاء بما وعد به. وهذا التفسير يناسب خبر سعد بن أبي وقاص في إعطاء السيف إياه. وعن ابن عباس في بعض الروايات أن المراد بالأنفال ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال من دابة أو عبد أو متاع فهو إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يضعه حيث يشاء. وعن مجاهد : إن الأنفال الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس. وعلى هذا فالقوم إنما سألوا عن الخمس فنزلت الآية. ثم أمر بالشروع في الجواب فقال (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها ، وليس الأمر في قسمتها مفوّضا إلى رأي أحد. قال مجاهد وعكرمة والسدي : إنها منسوخة بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) [الأنفال : ٤١] الآية. وضعف بأن جعل أربعة أخماسها ملكا للغانمين لا ينافي كون الحكم فيها لله والرسول ، ولو فسر الأنفال بالخمس أو بالسلب فلا إشكال. ثم حثهم على ترك المنازعة وعلى المؤاخاة والمصافاة فقال (فَاتَّقُوا اللهَ) أي عقابه ولا تقدموا على معصيته واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأموال (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي التي هي بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومودة وموافقة. لما كانت الأحوال واقعة في البين قيل لها ذات البين كما أن الأسرار لما كانت مضمرة في الصدور قيل لها ذات الصدور. ثم ختم الآية بقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي كاملي الإيمان تنبيها على أن كمال الإيمان موقوف وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله. ثم وصف المؤمنين الكاملين فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي فزعت لذكره استعظاما لجلاله وحذرا من أليم عقابه. وقد يطمئن القلب بعد ذلك إذا تذكر كمال رأفته وجزيل ثوابه كقوله (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٣] وقيل : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم لمعصية فيقال له اتق الله فينزع (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) قالت العلماء : زيادة الإيمان تكون على ثلاثة أنحاء : الأوّل : بقوّة الدليل وبكثرته ، فإن كل دليل مركب لا محالة من مقدمات. ولا شك في أن النفوس مختلفة في الإشراق والإنارة ، والأذهان متفاوتة بالذكاء والغباوة ، فكل من كان جزمه بالمقدمات أكثر وأدوم كان علمه بالنتيجة أكمل وأتم ، وكذا من سنح له على المطلوب دليلان كان علمه أتم ممن لا يجد على المطلوب سوى دليل واحد ولذا يورد العلماء دلائل متعددة على مدلول واحد ولله در القائل : وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. الثاني : بتعدد التصديق وتجدده ؛ فمن المعلوم أن من صدق إنسانا في شيئين كان تصديقه أزيد من تصديق من صدقه في شيء واحد ، فمعنى الآية أنهم كلما سمعوا آية متجددة أتوا بإقرار جديد. الثالث : أن يقال : الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل كما ينبىء عنه ظاهر الآية لأنه لما ذكر