أمنهم أنا أم لا. وعن الثوري : من زعم أنه مؤمن بالله حقا ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية. وهذا إلزام منه يعني كما لا يقع بأنه من أهل الجنة حقا فلا يقطع بأنه مؤمن حقا. ويحكى عن أبي حنيفة أنه قال لقتادة : لم تستثني في إيمانك؟ فقال : اتباعا لإبراهيم في قوله (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) [الشعراء : ٨٢] فقال له : هلا اقتديت به في قوله (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) [البقرة : ٢٦٠] قيل : وكان لقتادة أن يقول (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠] وفيه ما فيه. ثم أخبر عن مآل حالهم فقال (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي سعادات روحانية متفاوتة في الصعود والارتفاع ، ولكن استغراق كل واحد في سعادته الخاصة به يمنعه عن التألم من حال من فوقه كما قال سبحانه (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) ، (وَمَغْفِرَةٌ) [الحجر : ٤٧] وتجاوز عن سيئاتهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هو نعيم الجنة المقرون بالدوام والتعظيم. والكرم اسم جامع لكل ما يحمد ويستحسن في بابه نقله الواحدي عن أهل اللغة. فالله سبحانه موصوف بأنه كريم لأنه محمود في كل ما يحتاج إليه ، والقرآن كريم لأنه يوجد فيه بيان كل شيء و (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) [النمل : ٢٩] وقال (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [لقمان : ١٠] وقال (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء : ٢٣] قال بعض العارفين : المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله. والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته.
قوله عز من قائل (كَما أَخْرَجَكَ) يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج وذكروا فيه وجوها : الأوّل : أن المشبه محذوف تقديره هذا الحال كحال إخراجك. والمعنى أن حالهم في كراهة ما صنعت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب ، وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم لما رأى كثرة المشركين يوم بدر وقلة المسلمين قال : «من قتل قتيلا فله كذا وكذا». ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا. ترغيبا لهم في القتال ، فلما انهزم المشركون قال سعد بن عبادة : يا رسول الله لو أعطيت هؤلاء ما سميته لهم بقي خلق كثير بغير شيء فنزلت (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يصنع فيها ما يشاء فأمسك المسلمون عن الطلب وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهة. والثاني : أن ينتصب الكاف على أنه صفة مصدر الفعل المقدّر في قوله (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي ثبت الحكم واستقر بأن الأنفال لله وإن كرهوا ثباتا مثل إخراج ربك إياك إلى القتال وإن كرهوا ، ووجه تخصيص هذا المشبه به بالذكر من بين سائر أحكام الله أن القصة واحدة ووجه جعل الإخراج مشبها به كونه أقوى في وجه الشبه لأن مدار القصة عليه. وقيل : التقدير هو أن الحكم بكونهم مؤمنين حق كما أن حكم الله بإخراجك من بيتك لأجل القتال حق. الثالث : قال الكسائي : الكاف متعلق بما بعده وهو قوله