الملائكة. فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم. وروي أن رجلا من المسلمين بينا هو يشتد في أثر رجل من المشركين إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه فنظر إلى المشرك قد خر مستلقيا وشق وجهه ، فحدث الأنصاري رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال صلىاللهعليهوسلم : صدقت ذاك من مدد السماء. وعن أبي داود المازني قال : تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي. قيل : لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا ، وقد أجبنا عن هذه الشبهة في تفسير سورة آل عمران وكذا في تفسير قوله (وَما جَعَلَهُ اللهُ) الآية. وقد مر هنالك وقد بقي علينا بيان المتشابه فنقول : حذف لكم هاهنا لأن المخاطبين معلومون في قوله (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) وقدم (قُلُوبُكُمْ) وأخر به في «آل عمران» ازدواجا بين الخطابين وعكس هاهنا ازدواجا بين الغائبين. ثم إن قصة بدر سابقة على قصة أحد فقيل في الأنفال (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ليستقر الخبر وجعله في آل عمران صفة لأن الخبر قد سبق والله أعلم.
التأويل : كثرة السؤال توجب الملال وإنما سألوا ليكون لهم الأنفال فأجيبوا على خلاف ما تمنوا. وقيل : الأنفال لله والرسول قطعا لطريق الاعتراض والسؤال. وأصلحوا ما بينكم من الأخلاق الردية والهمم الدنية (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بالتسليم والائتمار (زادَتْهُمْ إِيماناً) بحسب تزايد الأنوار (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) فيه أنه أخرج المؤمن الحفي عن أوصاف البشرية إلى مقام العبودية بجذبات العناية (كَما أَخْرَجَكَ) من وطن وجودك بالحق وهو تجلي صفات الجمال والجلال (وَإِنَّ فَرِيقاً) هم القلب والروح (لَكارِهُونَ) للفناء عند التجلي ، فإن البقاء محبوب عند كل ذي وجود (يُجادِلُونَكَ) أي الروح والقلب (فِي) مجيء (الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) مجيئه كأنهم ينظرون إلى الفناء ولا يرون البقاء بعد الفناء كمن يساق إلى الموت (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ) أيها السائرون (إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) إما الظفر بالأعداء وهي النفوس وإما عير الواردات الروحانية وغنائم الأسرار الربانية. (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) أي أردتم أن لا تجاهدوا عدوّ النفس ذات المكر والحيلة والهوى ، واستحليتم الواردات والشواهد الغيبية وذلك أن السير قسمان : سير السالكين على أقدام الطاعات وتبديل الصفات النفسانية إلى جنات الروحانية ، وسير المجذوبين على أجنحة عنقاء الجذبات إلى وراء قاف الأنانية ، فكان موسى من السالكين إلى ميقات ربه لم يجاوز طور النفس فكان مقامه مع الله المكالمة ، وكان محمد من المجذوبين وكان سيره على جناح جبرائيل إلى سدرة المنتهى ومنها على رفرف الجذبة الإلهية إلى قاب قوسين أو أدنى ، فكان مكانه المشاهدة فمن العناية أن لا يكل الله السائر إلى ما يوافق طبعه وهواه