قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر. وقال سعيد بن جبير وابن أبزى : نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش ـ والأحبوش جماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة ـ وأنفق عليهم أربعين أوقية من فضة. والأوقية اثنان وأربعون مثقالا ـ قاله في الكشاف. وقال محمد بن إسحق عن رجاله : لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان ابن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا لمن أصيب منا فأنزل الله تعالى الآية. ومعنى (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أن غرضهم فى الإنفاق كان هو الصدّ عن اتباع محمد وهو سبيل الله وإن لم يكن عندهم كذلك. ثم أخبر عن الغيب على وجه الإعجاز فقال (فَسَيُنْفِقُونَها) أي سيقع منهم هذا الإنفاق ثم تكون عاقبة إنفاقها ندما وحسرة فكأن ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة ثم يغلبون آخر الأمر وإن كانت الخرب بينهم وبين المؤمنين سجالا لقوله (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ومعنى «ثمك» في الجملتين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد ، وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل المال وعدم حصول المقصود من المباينة. ثم قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي الكافرون منهم ولم يقل «ثم يغلبون وإلى جهنم يحشرون» لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه فذكر أن الذي بقوا على الكفر لا يكون حشرهم إلا إلى جهنم دون من أسلم منهم. ثم بين الغاية والغرض فيما يفعل بهم من الغلبة ثم الحشر إلى جهنم فقال (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ) أي الفريق الخبيث من الكفار (مِنَ) الفريق (الطَّيِّبِ) وهم المؤمنون (وَيَجْعَلَ) الفريق (الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) عبارة عن الجمع والضم وفرط الازدحام. يقال : ركم الشيء يركمه إذا جمعه وألقى بعضه على بعض (أُولئِكَ) الفريق الخبيث (هُمُ الْخاسِرُونَ) وقيل : الخبيث والطيب صفة المال أي ليميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين من المال الطيب الذي أنفقه المهاجرون والأنصار في نصرته فيركمه فيضم تلك الأموال الخبيثة بعضها على بعض فيلقيه في جهنم ويعذبهم بها كقوله (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) [التوبة : ٣٥] وعلى هذا فاللام في قوله (لِيَمِيزَ اللهُ) يتعلق بقوله (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) قاله في الكشاف. ولا يبعد عندي أن يتعلق بـ (يُحْشَرُونَ) و (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين كفروا. ولما بين ضلالهم في عباداتهم البدنية والمالية أرشدهم إلى