تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت. قال : ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه قال : فعجبت من جرأتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والله ورسوله أعلم. قال : فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزل (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) الآية. فما صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله. قال المفسرون : وكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما فعل بعبد الله بن أبيّ قال : وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله ، والله إن كنت لأرجو أن يسلم به ألف من قومه وكان كما قال. وقيل : لعل السبب فيه أنه لما طلب من الرسول قميصه الذي مس جلده ليدفن فيه غلب على ظن الرسول أنه انتقل إلى الإيمان لأنه وقت يتوب فيه الكافرة فرغب أن يصلي عليه. وذكر من أسباب دفع القميص أن العباس عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ أسيرا ببدر ولم يجدوا له قميصا طويلا فكساه عبد الله قميصه ، ومنها أن المشركين قالوا له يوم الحديبية إنا لا ننقاد لمحمد ولكنا ننقاد لك. فقال : إن لي في رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسوة حسنة ، فشكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم صنيعه. ومنها أنه كان لا يرد السائل لقوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ١٠] ومنها أن ابنه عبد الله كان من الصالحين فالرسول أكرمه لمكان ابنه. ومنها إظهار الرأفة والرحمة كما مر.
قوله (ماتَ) صفة لأحد و (أَبَداً) ظرف لقوله (لا تُصَلِ) وإنه يحتمل تأبيد النفي ونفي التأبيد والظاهر الأول ، لأن القرائن تدل على منعه من أن يصلي عل أحد منهم منعا كليا دائما. قال الزجاج : معنى قوله (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع هاهنا منه. وقال الكلبي : معناه لا تقم بإصلاح مهمات قبره و (إِنَّهُمْ كَفَرُوا) تعليل للنهي ويرد عليه أن الكفر حادث وحكم الله قديم والحادث لا يكون علة للقديم. وأجيب بأن العلة هاهنا بمعنى الإمارة المعرفة للحكم. قال في الكشاف : وإنما قيل مات وماتوا بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال على تقدير لكون والوجود لأنه كائن موجود لا محالة. وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه ، والكذب والنفاق والخداع والجبن والخبث مستقبح في جميع الأديان. أما قوله (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) فقد سبق مثله في هذه السورة بتفاوت ألفاظ فوجب علينا أن نذكر سبب التفاوت ، ثم فائدة التكرار فنقول والله تعالى أعلم بمراده : إنما ذكر النهي هاهنا بالواو وهناك بالفاء لأنه لا تعلق له هاهنا بما قبله وهو موتهم على حالة الفسق خلاف ما هنالك. وإنما قال هاهنا (وَأَوْلادُهُمْ) بدون «لا» لأن المراد هنالك الترقي من الأدون إلى الأعلى وهو أن إعجاب أولئك الأقوام بأولادهم فوق إعجابهم بأموالهم