وصفوا بأضداد هذه الأمور من الضرار والكفر والتفريق ، ولأن طهارة الباطن أشد تأثيرا من طهارة الظاهر في القرب من الله. وقيل : إنه التطهر بالماء وذلك أنهم كانوا لا ينامون الليل على الجنابة ويتبعون الماء أثر البول. وروي أنها لما نزلت مشى رسول الله ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال : أمؤمنون أنتم؟ فسكت القوم. ثم أعادها فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم. فقال عليهالسلام : أترضون بالقضاء؟ قالوا : نعم قال : أتصبرون على البلاء؟ قالوا : نعم. قال : أتشكرون في الرخاء؟ قالوا : نعم. فقال صلىاللهعليهوسلم : مؤمنون ورب الكعبة. فجلس ثم قال : يا معشر الأنصار إن الله عزوجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء. فتلا النبي صلىاللهعليهوسلم : (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) وقيل : يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا بأجمعهم. ومحبة التطهر إيثاره والحرص عليه ومحبة الله الرضا عنهم والإحسان إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه. ثم بين أنه لا نسبة بين الفريقين وأن بينهما بونا بعيدا فقال مستفهما على سبيل التقرير (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) وهو مصدر كالعمران وأريد به المبني والمعنى أن من أسس بناء دينه على قاعدة قوية محكمة وهي تقوى الله ورضوانه (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ) دينه على ضد ذلك. والشفا هو الشفير أي الشفة ، والجرف هو ما إذا سال السيل وانحسر الوادي ويبقى على طرف المسيل طين واه مشرف على السقوط ساعة فساعة فذلك الموضع الذي هو بصدد السقوط جرف ، والهار الهائر وهو أيضا المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط. قال الليث : الهاء مصدرها الجرف يهور إذا انصدع من خلفه وهو ثابت بعد في مكانه ، فإذا سقط فقد انهار. وقال في الكشاف : إنه صفة قصرت عن فاعل كخلف من خالف وألفه ليست بألف فاعل إنما هي عينه وأصله «هور» على «فعل» ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل ، فلكونه على شفا جرف هار كان مشرفا على السقوط ، ولكونه على طرف جهنم كان إذا انهار فإنما يسقط في قعر جهنم ، يروى أنه حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤي الدخان يخرج منه. ثم ذكر أن بنيانهم ذلك سبب لازدياد ريبهم فقال : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً) في كونه سببا للريبة (فِي قُلُوبِهِمْ) وجوه منها : أن هدمه صار سببا لازدياد شكهم في نبوته ، ومنها أنهم ظنوا أن تخريبه لأجل الحسد فارتفع أمانهم عنه وصاروا مرتابين في أنه هل يتركهم على ما هم فيه أو يأمر بقتلهم ونهب أموالهم فلا تزول تلك الريبة (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) أجزاء متفرقة إما بالموت وإما بالسيف وإما بالبلاء فحينئذ يضمحل أثرها عنها. والمقصود أن هذا