وأخروي أو بالجمع بعد التفريق (إِنَّهُ) أي الشأن (مَنْ يَتَّقِ) عقاب الله (وَيَصْبِرْ) عن معاصيه وعلى طاعته (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أراد أجرهم فاكتفى من الربط بالعموم. ومن قرأ (يَتَّقِي) بإثبات الياء فوجهه أن يجعل «من» بمعنى «الذي» ، ويجوز على هذا الوجه أن يكون قوله : (وَيَصْبِرْ) في موضع الرفع إلا أنه حذفت الحركة للتخفيف أو المشاكلة. وفي الآية دليل على براءة ساحة يوسف ونزاهة جانبه من كل سوء وإلا لم يكن من المتقين الصابرين.
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) اعتراف منهم بتفضيله عليهم بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين وصورة الأحسنين. ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا أنبياء وإن احتج به بعضهم لأن الأنبياء متفاوتون في الدرجات (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣] (وَإِنْ كُنَّا) وإن شأننا أنا كنا خاطئين. قال أبو عبيدة : خطىء وأخطأ بمعنى واحد. وقال الأموي : المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره ومنه قولهم : «المجتهد يخطىء ويصيب». والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي. قال أبو علي الجبائي : إنهم لم يعتذروا عن ذلك الذي فعلوا بيوسف لأنه وقع منهم قبل البلوغ ومثل ذلك لا يعد ذنبا ، وإنما اعتذروا من حيث إنهم أخطئوا بعد ذلك حين لم يظهروا لأبيهم ما فعلوه ليعلم أنه حي وأن الذئب لم يأكله. واعترض عليه فخر الدين الرازي بأنه يبعد من مثل يعقوب أن يبعث جمعا من الصبيان من غير أن يبعث معهم رجلا بالغا عاقلا ، فالظاهر أنه وقع ذلك منهم بعد البلوغ. سلمنا لكن ليس كل ما لا يجب الاعتذار عنه لا يحسن الاعتذار عنه ، ولما اعترفوا بفضله عليهم وبكونهم متعمدين للإثم (قالَ) يوسف (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) لا تأنيب ولا توبيخ. وقيل : لا أذكر لكم ذنبكم. وقيل : لا مجازاة لكم عندي على ما فعلتهم. وقيل : لا تخليط ولا إفساد عليكم واشتقاقه من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش ومعناه إزالة الثرب كالتجليد والتقريد لإزالة الجلد والقراد وذلك لأنه إذا ذهب منه الثرب كان في غاية الهزال والعجف فصار مثلا للتقريع المدنف المضني. وقوله : (الْيَوْمَ) إما أن يتعلق بالتثريب أو بالاستقرار المقدر في عليكم أي لا أثربكم اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره. ثم ابتدأ فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم ليكون عقاب الدارين مزالا عنهم. وأصل الدعاء أن يقع على لفظ المستقبل فإذا أوقعوه لفظ الماضي فذلك للتفاؤل ، ويحتمل أن يكون (الْيَوْمَ) متعلقا بالدعاء فيكون فيه بشارة بعاجل غفران الله لتجدد توبتهم وحدوثها في ذلك اليوم. يروى أن إخوته لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحيي منك لما فرط منا فيك. فقال يوسف : إن أهل مصر وإن ملكت