بالذات ، والالتزام لأصول الأخلاق ومكارم العادات وقوانين السياسات إلا أن بعض الخلل أبطل الكل فالكل ينهدم بانهدام الجزء. ثم إن كون القرآن هاديا إلى الاعتقاد الأصوب والعمل الأصلح له نتيجة وأثر وذلك هو البشارة بالأجر الكبير لأهل الإيمان والعمل الصالح وبالعذاب الأليم لغيرهم ، وأنت خبير بأن لفظ البشارة بمعنى الإنذار يستعمل للتهكم إذ البشارة مطلق الخبر المغير للبشرة فكأنه قيل : ويخبر الذين لا يؤمنون بالآخرة أن لهم عذابا. ويجوز أن يبشر المؤمنين ببشارتين : إحداهما بثوابهم والأخرى بعذاب أعدائهم. قال في الكشاف : كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ وأجاب على أصول الاعتزال بأن الناس كانوا حينئذ إما من أهل التقوى وإما من أهل الشرك ، وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك. قلت : هذا الجواب منه عجيب ، فإن هذا الصنف لو سلم أنه لم يكن موجودا في ذلك العصر إلا أن حكمه يجب أن يذكر في القرآن الذي فيه أصول الأحكام ، على أن ذكر الفساق من الأمة في القرآن المكي والمدني موجودة قال تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢] (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الزمر : ٥٢] (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [آل عمران : ١٣٥]. وإذا كان ذكرهم في القرآن واردا وأنه تعالى يعدد هاهنا أوصاف القرآن على جهة المدح فأي مقام أدعى إلى ذكر هذا الوصف من هاهنا. والجواب الحق أن الفسقة جعلوا بالعين أهل الإيمان والله أعلم. قيل : هذه الآية واردة في شرح أحوال اليهود وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة. والجواب المنع من الخصوص ولو سلم فإيمانهم بالآخرة كلا إيمان ، فبعضهم أنكروا المعاد الجسماني وبعضهم قالوا : لن تمسنا النار إلّا أياما. واعلم أنه سبحانه قال هاهنا : (أَجْراً كَبِيراً) وفي أول الكهف (أَجْراً حَسَناً) [الآية : ٢] ، رعاية للفاصلة وإلا فالأجر الكبير والأجر الحسن كلاهما الجنة.
ولما بين أن القرآن كاف في الهداية ذكر أن الإنسان قد يعدل عن التمسك بأحكامه فقال : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) أي جنس الكافر. وقد ذكر جمع من المفسرين أنه النضر بن الحرث دعا (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : ٣٢] ، الآية فأجاب الله دعاءه وضربت رقبته صبرا. وكان بعضهم يقول : ائتنا بعذاب الله ، وآخرون متى هذا الوعد جهلا منهم واعتقادا أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كاذب. وقيل : المراد أنه يدعو الله عند غضبه وضجره فيعلن نفسه وولده وماله ، ولو استجيب له في الشر كما يستجاب له في الخير لهلك. ويروى أنه صلىاللهعليهوسلم دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا فأقبل يئن بالليل فقالت له : مالك تئن؟ فشكا ألم القد فأرخت من كتافه ، فلما نامت أخرج يده