سؤال : ما الحكمة في الموت وهلا وصل تعيم الدنيا بنعيم الآخرة ليكون في الأنعام أبلغ؟ جواب لو كان كذلك لكان الآتي بالطاعة آتيا بها لمحض الجنة والثواب فلا جرم أوقع الله تعالى الإماتة والإعادة في البين لتكون الطاعات أدخل في الإخلاص وأبعد عن صورة المبايعة. وليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر فتعرف تلك بدليل آخر. ويمكن إن يقال : بل الآية تتضمنها فإنها أيضا من جنس الإعادة. النوع الثاني : الاستدلال بخلق السموات قال الخليل والفراء والزجاج : سميت السموات طرائق لأنها طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل. وقال علي بن عيسى : لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم. وقيل : لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) أي عن السموات وحفظها أن لا تقع على الأرض قاله سفيان بن عيينة. وعن الحسن أراد بالخلق الناس أي ما كنا (غافِلِينَ) عن مصالحهم فخلقنا الطرائق فوقهم لينزل منها عليهم البركات والأرزاق ولينتفعوا بغير ذلك من منافعها. ويحتمل أن يريد بالأول كمال قدرته وبالثاني كمال علمه بأحوال مخلوقاته وفيه نوع من الزجر. ويمكن أن يراد خلقنا السموات وما كنا عن خلقها ذاهلين فلهذا لم تخرج عن التقدير الذي أردنا كونها عليه نظيره (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣] النوع الثالث : الاستدلال بنزول الأمطار وإخراج النبات وإنشاء الحيوانات. ونزول المطر عند الظاهرين من أهل الشرع لا يبعد أن يكون من نفس السماء ، وعند أرباب المعقول منهم يراد به إنزاله من جهة السماء قالوا : إنه سبحانه يصعد الأجزاء المائية من البحر بواسطة التبخير فتصير في الجو صافية عذبة زائلة عنها ملوحة البحر ، ثم ينزلها بواسطة السحب وقد سلف في أول البقرة تفصيل ذلك. ومعنى (بِقَدَرٍ) بتقدير يسلمون معه من المضار ويصلون إلى المنافع ، أو بمقدار يوافق حاجاتهم. ومعنى إسكان ماء المطر في الأرض جعله مددا للينابيع والآبار. وقيل : أراد إثباته في الأرض على ما روي عن ابن عباس أن الأنهار خمسة : سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل ، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة واستودعها الجبال وأجراها في الأرض. (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) أي كما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على أن نذهب به بوجه من الوجوه. ولهذا التنكير حسن موقع لا يخفى إذ فيه إيذان على أن الذاهب به قادر على أيّ وجه أراد ، وفيه تحذير من كفران نعمة الماء وتخويف من نفاذه إذا لم يشكر.
ثم لما نبه على عظم نعمته بخلق الماء بين المنافع الحاصلة بسببه وخص منها النخيل والأعناب وشجرة الزيتون لأنها أكرم الشجر وأعمها نفعا ، ووصف النخل بأن ثمرهما جامع لأمرين : التفكه والتطعم. وجوز في الكشاف أن يكون قوله (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) من