[الروم : ٥٥] وقوله (عَدَدَ سِنِينَ) بدل من مميزكم. وقيل : تمييز. احتج بعض من أنكر عذاب القبر بأن قوله (فِي الْأَرْضِ) يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض وزمان كونهم أمواتا في بطن الأرض. فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أن مدة مكثهم في الأرض طويلة فما كانوا يقولون (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وأجيب بأن الجواب لا بد أن يكون على حسب السؤال وإنما سئلوا عن موت لا حياة بعده إلا في الآخرة وذلك لا يكون إلا بعد عذاب القبر. ويحتمل أن يكونوا سئلوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه فلا يدخل في ذلك تقدم موت بعضهم على البعض ، فصح أن يكون جوابهم (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) عند أنفسنا. وليس هذا من قبيل الكذب إذ لعلهم نسوا ذلك لكثرة ما هم فيه من الأهوال فقالوا : إلا نعرف من عدد السنين إلا أنا نستقله ونحسبه يوما أو بعض يوم. وقد اعترفوا بهذا النسيان حيث قالوا (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي ليس من شأننا أن نعدّها لما نحن فيه من العذاب فاسأل من يقدر أن يلقى إليه فكره ، أو اسأل الملائكة الذين يعدّون أعمال العباد ويحصون أعمالهم. وعن ابن عباس : أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين. وقيل : أرادوا بقولهم (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه وعرفوه من داوم العذاب. وقد صدّقهم الله في ذلك حيث قال (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) ووبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها بقوله (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي لو علمتم البعث والحشر لما كنتم تعدونه طويلا. ثم زاد في التوبيخ بقوله (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي عابثين أو لأجل العبث وهو الفعل الذي لا غاية له صحيحة. وجوّزوا أن يكون قوله (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) معطوفا على (عَبَثاً) أي للعبث ولترككم غير مرجوعين وفيه دلالة على وجوب وقوع القيامة فلولاها لم يتميز المطيع من العاصي والمحسن من المسيء. ثم نزه ذاته عن كل عيب وعبث قائلا (فَتَعالَى) الآية ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة أو الخير منه أو باعتبار من استوى عليه كما يقال «بيت كريم» إذا كان ساكنوه كراما. وقرىء (الْكَرِيمِ) بالرفع وهو ظاهر. ثم زيف طريقة المقلدة من أهل الشرك وقوله لا برهان له به كقوله (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) [آل عمران : ١٥١] وهو صفة جيء بها للتأكيد لا أن بعض الآلهة قد يقوم على وجوده برهان. وجوّز جار الله أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء كقول القائل : من أحسن إلى زيد لا أحق بالإحسان إليه منه فالله مثيبه. ومعنى (حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أنه بلغ عقابه إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلا الله. وقرىء (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) بفتح الهمزة أي حسابه عدم فلاحه فوضع (الْكافِرُونَ) موضع الضمير. جعل فاتحة السورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وأورد في خواتيهما (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) فشتان ما بين الفريقين. وحين أثنى على المؤمنين في أثناء الكلام بأنهم يقولون (رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) نبه