في آخر السورة على أنه قول ينبغي أن يواظب المكلف عليه ففيه الانقطاع إلى الله والإعراض عمن سواه والله المستعان.
التأويل : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) فيه أن نفخة العناية الأزلية إذا نفخت في صور القلب قامت القيامة وانقطعت الأسباب فلا يلتفت إلى أحد من الأنساب ، لا إلى أهل ولا إلى ولد لاشتغاله في طلب الحق واستغراقه في بحر المحبة ، فلا يقع بينهم التساؤل عما تركوا من أسباب الدنيا ولا عن أحوال أهاليهم وأخدانهم وأوطانهم إذا فارقوها (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ) في طلب الحق (شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٧] عن طلب الغير (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لأنهم إذا خفت موازينهم عن طلب الحق وانقطع عليه الطريق بنوع من التعلقات ورجع القهقرى بطل استعداده في الطلب ، فإن الإنسان كالبيضة المستعدة لقبول تصرف دجاجة الولاية فيه وخروج الفرخ فيها ، فما لم تتصرف فيها الدجاجة يكون استعداده باقيا ، فإذا تصرفت الدجاجة فيها وانقطع تصرفها عنها بإفساد البيضة فلا ينفعها التصرف بعد ذلك لفساد الاستعداد ولهذا قالت المشايخ : مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة. ولهذا قال (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) وأجيبوا بقوله (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) لأنه ليس من سنتنا إصلاح الاستعداد بعد إفساده (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) هم العلماء بالله النصحاء لأجله (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) فضربتم أنفسكم على سيوف هممهم العلية (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ) بهممهم وبيد الرد (ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) لأن قلوبكم قد ماتت وكثرة الضحك تميت القلب (جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) فيه أن أهل السعادة كما ينتفعون بمعاملاتهم الصالحة مع الله ينتفعون بإنكار منكريهم ، ومثله حال أهل الشقاء في الجانب الآخر وهو الاستضرار (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أي لا يظهر عليه برهان العبادة وهو النور والضياء والبهاء والصفاء وإن تقرب إلى ذلك الذي عبده من دون الله بأنواع القربات.