فأخبر أن الذي فرضه الله تعالى هذا الرجم ولو كان الجلد واجبا مع الرجم لذكره. قال الشافعي : يجمع بين الجلد والتغريب في حد البكر. وقال أبو حنيفة : يجلد.
وأما التغريب فمفوّض إلى رأي الإمام. وقوله صلىاللهعليهوسلم «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» (١) وكذا ما يروى عن الصحابة أنهم جلدوا ونفوا منسوخ أو محمول على وجه التعزير والتأديب من غير وجوب. وقال مالك : يجلد الرجل ويغرب وتجلد المرأة بلا تغريب. حجة الشافعي حديث عبادة «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» (٢) وقد ورد مثله في قصة العسيف. حجة أبي حنيفة أن إيجاب التغريب يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد. بيانه أن إيجاب الجلد مرتب على الزنا بالفاء التي هي للجزاء ، ومعنى الجزاء كونه كافيا في ذلك الباب منه قوله صلىاللهعليهوسلم «يجزيك ولا يجزي أحدا بعدك» (٣) وإيجاب شيء آخر غير الجلد يقتضي نسخ كونه كافيا ولو كان النفي مشروعا لوجب على النبي صلىاللهعليهوسلم توقيف الصحابة عليه عند تلاوة هذه الآية ولو فعل لاشتهر. وقد روى أبو هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في الأمة «إذا زنت فاجلدها فإن زنت فاجلدها فإن زنت فبعها» (٤) والاستدلال به أنه لم يذكر النفي مع الجلد ونظيره ما روي أن شيخا وجد على بطن جارية ، فأتي به إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : اجلدوه مائة. فقالوا : إنه أضعف من ذلك. فقال : خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها وخلوا سبيله. لا يقال : إنه إنما لم ينفه لأنه كان عاجزا عن الحركة لأنا نقول : كان ينبغي أن يأمر له بدابة يركبها. ولا يقال : لعله كان ضعيفا عن الركوب أيضا لأنا نقول : القادر على الجماع كيف لا يقدر على الاستمساك. وأيضا الأمر بالنفي لو كان مشروعا لزم في حق العبد الإضرار بسيده في مدة غيبته ، وفي حق المرأة الإضرار بزوجها ، وكذا لمن يؤمر أن يكون معها من محارمها أو من النسوة الثقات مع انفتاح باب الزنا عليها في الغربة ، لهذا روي عن علي رضياللهعنه أنه قال في البكرين : إذا زنيا يجلدان ولا ينفيان فإن نفيهما من الفتنة. وعن ابن عمر أن امرأة زنت فجلدها ولم ينفها. وأيضا النفي نظير القتل لقوله تعالى (اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) [النساء : ٦٦] فإذا لم يشرع القتل في حد البكر وجب أن لا
__________________
(١ ، ٢) المصدر السابق.
(٣) رواه البخاري في كتاب العيدين باب ٥ ، ٨ ، ١٠. مسلم في كتاب الأضاحي حديث ٥ ، ٧ ، ٩ أبو داود في كتاب الأضاحي باب ٥.
(٤) رواه البخاري في كتاب العتق باب ١٧. مسلم في كتاب الحدود حديث ٣١ ، ٣٢. أبو داود في كتاب الحدود باب ٣٢. الترمذي في كتاب الحدود باب ٨. ابن ماجة في كتاب الحدود باب ١٤. الموطأ في كتاب الحدود حديث ١٤. أحمد في مسنده (٤ / ٣٤٣).