الإسناد وبتقدير صحته معارض بما روي أنه صلىاللهعليهوسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله. ولا خلاف في أن السحق وإتيان الميتة والاستمناء باليد لا يشرع فيها الا التعزير. البحث الثاني قد مر في أول سورة النساء أن حكم الزاني في أوائل الإسلام كان الحبس في البيوت في حق الثيب ، والإيذاء بالقول في حق البكر ، ثم نسخ بآية الزنا وبقوله صلىاللهعليهوسلم «الثيب بالثيب جلد مائه ورجم بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائه وتغريب عام» (١) والخوارج أنكروا الرجم لأنه لا يتنصف وقد قال تعالى (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥] ولأنه تعالى أطنب في أحكام الزنا بما لم يطنب في غيره ، فلو كان الرجم مشروعا لكان أولى بالذكر ، ولأن قوله (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة وإيجاب الرجم على البعض يقتضي تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد. وجمهور المجتهدين خالفوهم في ذلك فأجابوا عن الأول بأن الرجم حيث لم يتنصف لم يشرع في حق العبد فخصص العذاب بغير الرجم للدليل العقلي. وعن الثاني بأن الأحكام الشرعية كانت تنزل بحسب تجدد المصالح فلعل المصلحة التي اقتضت وجوب الرجم حدثت بعد نزول هذه الآيات. وعن الثالث بأن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد جائز عندنا لأن القرآن وإن كان قاطعا في متنه إلا أن العام غير قاطع الدلالة فأمكن تخصيصه بالدليل المظنون. سلمنا إلا أن الرجم ثبت بالتواتر رواه أبوبكر وعمر وعلي رضياللهعنه وجابر والخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة. وما نقل عن علي أنه جمع بين الجلد والرجم وهو اختيار أحمد وإسحق وداود محمول على مثل ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن رجلا زنى بامرأة فأمر به النبي صلىاللهعليهوسلم فجلد ، ثم أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان محصنا فأمر به فرجم. وقوله صلىاللهعليهوسلم «الثيب بالثيب جلد مائة» (٢) ورجم بالحجارة متروك العمل بما روي في قصة العسيف أنه قال : يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. ولو وجب الجلد إذ ذاك لذكره. وأن قصة ما عز رويت من جهات مختلفة وليس فيها ذكر الجلد مع الرجم وكذا قصة الغامدية. وروى الزهري بإسناده عن ابن عباس أن عمر قال : قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى وقد قرأنا «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فرجم النبي صلىاللهعليهوسلم ورجمنا بعده.
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الحدود حديث ١٢ ـ ١٤. أبو داود في كتاب الحدود باب ٢٣. الترمذي في كتاب الحدود باب ٨. ابن ماجة في كتاب الحدود باب ٧. الدارمي في كتاب الحدود باب ١٩. أحمد في مسنده (٣ / ٤٧٦) (٥ / ٣١٣).
(٢) المصدر السابق.