على ما ملكت أيمانكم» (١) وعن أبي هريرة أنه صلىاللهعليهوسلم قال «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها» (٢) وحمل الأول على رفع القضية إلى الإمام حتى يقيموا عليهم الحدود ، وحمل الثاني على التعزير خلاف الظاهر. وأيضا إن ولاية السيد على العبد فوق الولاية بالبيعة فكان أولى. وأيضا الإجماع على أن السيد يملك التعزير مع أنه في محل الاجتهاد فلأن يملك الحد مع التنصيص عليه أولى. حجة أبي حنيفة في قوله (فَاجْلِدُوا) الخطاب للأمة بالاتفاق ولم يذكر فرق بين الأحرار المحدودين وبين العبيد. وأيضا لو جاز للمولى أن يسمع شهادة الشهود على عبده بالسرقة فيقطعه ، فلو رجعوا عن شهادتهم لوجب أن يتمكن من تضمين الشهود وليس له ذلك بالاتفاق لأنه ليس لأحد أن يحكم لنفسه. وأيضا المالك في محل التهمة لأنه قد يشفق على ملكه فلا يستوفي الحد. أجابت الشافعية بأن عدم ذكر الفرق لا يدل على عدم الفرق مع أن الكلام في جواز إقامة السيد الحد لا في وجوبه. فالإمام يملك حد العبد في الجملة وذلك كاف في بقاء الآية على عمومها. وعن الثاني بأن للشافعي في القطع والقتل قولين : أحدهما يجوز لما روي أن ابن عمر قطع عبدا له سرق. وثانيهما لا ، وهو قول مالك أن القطع للإمام بخلاف الجلد لأن المولى يملك جنس الجلد وهو التعزير. وفي سماع المولى الشهادة أيضا وجهان : فإذا فقد الإمام فليس لآحاد الناس إقامة هذه الحدود بل ينبغي أن يعينوا واحدا من الصلحاء ليقوم بها ، وفي الخارجي المتغلب خلاف.
البحث السادس في كيفية إقامة الحد : إنه سبحانه قد أشار إلى أن هذا الحد يجب أن لا يكون في غاية العنف بلفظ الجلد كما مر ، وإلى أنه يجب أن لا يكون في غاية الرفق بقوله (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) وذلك إما بأن يترك الحد رأسا ، أو ينقص شيء منه ، أو يخفف بحيث لا يحس الزاني بالألم. وفي معناه أن يفرق على الأيام كأن يضرب كل يوم سوطا أو سوطين ، وإن ضرب كل يوم عشرين مثلا كان محسوبا لحصول التكليف. والأولى أن لا يفرق وأكد هذا المعنى بقوله (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قال الجبائي : فيه دلالة على أن الاشتغال بأداء الواجبات من الإيمان لأن التقدير : إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود. وأجيب بأن الرأفة لا تحصل إلا إذا حكم الإنسان بطبعه وأن ذلك يوجب ترك
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب الحدود باب ٣٣ أحمد في مسنده (١ / ١٤٥).
(٢) رواه البخاري في كتاب العتق باب ١٧. مسلم في كتاب الحدود حديث ٣١ ـ ٣٢. أبو داود في كتاب الحدود باب ٣٢. الترمذي في كتاب الحدود باب ٨. ابن ماجه في كتاب الحدود باب ١٤. الموطأ في كتاب الحدود حديث ١٤.