نور ومشاهدة تلك الملكة نور آخر ، وأما الثاني فلأن ذلك غاية الاستفادة ونهاية التحصيل. وزعم الشيخ أبو علي أن المخرج من العقل الهيولاني إلى الملكة ثم منها إلى العقل التام هو العقل الفعال مدبر ما تحت كرة القمر عند الحكماء ، وعبر عنه في الآية بالنار. وعن مقاتل أنه قال (مَثَلُ نُورِهِ) أي مثل نور الإيمان في قلب محمد كمشكاة فيها مصباح فالمشكاة نظير صلب عبد الله ، والزجاجة نظير جسد محمد ، والشجرة النبوة والرسالة. وقيل : المشكاة نظير إبراهيم عليهالسلام ، والزجاجة نظير إسماعيل والمصباح نظير جسد محمد وعن أبي بن كعب أنه قرأ مثل نور من آمن به ورأيت في كتب الشيعة عن علي رضياللهعنه مرفوعا للقمر وجهان يضيء بهما أهل السموات والأرضين وعلى الوجهين مكتوب أتدرون ما كتابته؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم. فقال : على وجه السموات (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وعلى وجه الأرض محمد وعلي نور الأرضين. وقيل : المشكاة صدر محمد صلىاللهعليهوسلم والزجاجة قلبه ، والمصباح ما في قلبه من الدين ، والشجرة إبراهيم عليهالسلام ، و (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) كقوله و (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٥] ومعنى (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أن إبراهيم لم يكن يصلي قبل المشرق كالنصارى ولا قبل المغرب كاليهود بل كان يصلي قبل الكعبة وهي ما بين المشرق والمغرب ومعنى (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) أن نور محمد يكاد يتبين للناس قبل أن يتكلم قاله كعب. وقال الضحاك : يكاد محمد يتكلم بالحكمة قبل الوحي ومن هنا قال عبد الله بن رواحة :
لو لم يكن فيه آيات مبينة |
|
كانت بديهته تنبيك بالخبر |
وقال يحيى بن سلام : قلب المؤمن نوريّ يعرف الحق قبل أن يتبين لموافقته له وهو المراد من قوله صلىاللهعليهوسلم «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» وقيل : يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم به ولهذا يزداد نورا على نور. قال أبي بن كعب : المؤمن بين أربع خلال : إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر وإن قال صدق وإن حكم عدل. فهو في سائر الناس كالرجل الحي الذي يمشي بين أموات يتقلب في خمس من النور : كلامه نور ، وعلمه نور ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة. قال الربيع : سألت أبا العالية عن مدخله ومخرجه فقال : سره وعلانيته.
قالت الأشاعرة في قوله (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) إشارة إلى أن هذه الدلائل مع وضوحها لا تكفي ولا تنفع ما لم يخلق الله الإيمان فيه ، وقالت المعتزلة : أراد يهدي الله لطريق الجنة ، أو أراد بقوله (مَنْ يَشاءُ) الذين بلغهم حد التكليف والهدى محمول على