زيادات الألطاف التي هي ضد الخذلان ولهذا قال في الكشاف : معناه يوفق. لإصابة الحق من نظر وتدبر معنى الإنصاف ، وجانب جانب المراء والاعتساف ، ولم يكن كالأعمى الذي يستوي عنده جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس وأكدوا ذلك بقوله (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يعني النبي والمكلفين من أمته قالوا : إنما ذكره في معرض الإنعام ولو كان الكل بخلق الله تعالى لما تمكنوا من الانتفاع بالمثل فلا يكون نعمة.
ثم زاد التأكيد بقوله (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ففيه تحذير لمن لا يتفكر ولا يعتبر ولا يستدل ولا ينظر. قوله (فِي بُيُوتٍ) اعترض أبو مسلم على قول من قال إنه يتعلق بـ (كَمِشْكاةٍ) وب توقد لأن كون المشكاة في بعض بيوت الله لا تزيد المصباح إنارة وإضاءة. وأيضا الموصوف واحد فلا يكون إلا في مكان واحد وقوله (فِي بُيُوتٍ) أمكنة متعددة ولا يصح أن يكون شيء واحد في أمكنة متعددة في حالة واحدة ، وكذا لو جعل (فِي بُيُوتٍ) صفة (مِصْباحٌ) و (زُجاجَةٍ) أو (كَوْكَبٌ) وأجيب بأن هذه صفة موضحة لا مميزة وذلك أن المشكاة تكون غالبا في بيوت العبادة أو المشكاة التي فيها مصباح إذا كانت في مثل هذه البيوت الرفيعة كانت أعظم وأكثر ضخامة فيكون في باب التمثيل أدخل. وعن الثاني أنه أريد بالمشكاة النوع لا الواحد كما لو قيل : «الذي يصلح لخدمتي رجل» يرجع إلى علم وكفاية وقناعة يلتزم بيته فإنه يراد به النوع لا الواحد. وذهب أبو مسلم إلى أنه راجع إلى قوله (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا) أي الأنبياء والمؤمنين الذين مضوا وكانوا ملازمين لبيوت العبادة. واعترض عليه بتفكك النظم إذ ذاك وبأن الذين خلوا هم المكذبون. والأكثرون على أن البيوت هي المساجد ، والإذن الأمر ، والرفع التعظيم أو البناء. وعن عكرمة هي البيوت كلها ، ومعنى الرفع البناء وذكر اسم الله عام في كل ذكر. وعن ابن عباس أن يتلي فيها كتابه. وقيل : لا يتكلم فيها بما لا ينبغي. والتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به. وقيل : الصلوات الخمس وقيل : صلاتا الصبح والعصر وكانتا واجبتين فقط في أول الإسلام فزيد فيهما. وعن ابن عباس : إن صلاة الضحى لفي كتاب الله وتلا هذه الآية. والأولى العموم. قيل : خص الرجال بالذكر لأنهم من أهل الجماعات دون النساء. ويحتمل أن يقال : لأنهم أصل والنساء تبع. واختلفوا في (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) فقيل : نفي الإلهاء لأنه تجارة ولا بيع كقوله :
ولا ترى الضب فيها ينجحر
وقيل : أثبت التجارة والبيع وبين أنهم مع ذلك لا يشغلهم شيء عن ذكر الله وهذا قول الأكثرين. وعن الحسن أما والله إن كانوا ليتجرون ولكن إذا جاءت فرائض الله لم يلههم عنها