شيء. وما الفرق بين التجارة والبيع؟ قيل : الأول عام لأن صناعة التاجر قد يقع فيها البيع وقد يقع فيها الشراء ، وخص البيع لأن الربح فيه يقين وفي الشراء مظنون ، فالبيع أدخل في الإلهاء. وقيل : أراد بالتجارة الشراء ، إطلاقا لاسم الجنس على النوع. وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب يقال : تجر فلان في كذا إذا جلبه من غير بلده. وذكر الله دعاؤه والثناء عليه بما هو أهله وقيل : هو الصلاة. ومن هنا قال ابن عباس : أراد بإقام الصلاة إتمامها لمواقيتها ، وبإيتاء الزكاة طاعة الله والإخلاص له. والتاء في (فَأَقامَهُ) عوض من العين الساقطة للإعلال ، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض فأسقطت. ثم حكى أن هؤلاء الرجال مع ما ذكر من الطاعة والإخلاص موصوفون بالوجل والخوف من أهوال يوم القيامة. وتقلب القلوب اضطرابها من الهول والفزع ، وتقلب الأبصار شخوصها ، أو المراد تقلب أحوالهما فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعا عليها ، وتدرك الأبصار بعد أن كانت عمياء عن النظر والاعتبار وكأنهم انقلبوا من الشك والغفلة إلى اليقين والمعاينة. وقال الضحاك : إن القلوب تزول عن أماكنها فتبلغ الحناجر والأبصار تصير زرقا. وقال الجبائي : يحتمل أن يراد تقلبها على جمر جهنم أو تغير ماهياتها بسبب ما ينالها من العذاب فتكون مرة بهيئة ما أنضج بالنار ، ومرة بهيئة ما أحرق ، وقيل : إن القلوب تتقلب في ذلك اليوم من طمع النجاة إلى الخوف من الهلاك ، والأبصار تتقلب من أيّ ناحية يؤخذ بهم أم من ناحية اليمين أم من ناحية الشمال ومن أي جهة يعطون كتابهم أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل.
قوله (لِيَجْزِيَهُمُ) متعلق بما قبله لفظا أو معنى أي يسبحون ويخافون أو يفعلون هذه القربات ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم وهو الواحد يعشر إلى سبعمائة وأكثر. وقيل : أراد بالأحسن الحسنات أجمع وهي الطاعات فرضها ونفلها. قال مقاتل : إنما ذكر الأحسن تنبيها على أنه لا يجازيهم على مساوئ أعمالهم بل يغفرها لهم وقال القاضي : أراد بذلك أن تكون الطاعات منهم مكفرة لمعاصيهم فيصح أن الله تعالى يجزيهم بأحسن الأعمال. وهذا مبني على مذهبه في الإحباط والموازنة. ومعنى (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) كقوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] وقوله (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) قد مر تفسيره في «البقرة». وحين بين حال المؤمن أنه يكون في الدنيا في النور بسببه يكون متمسكا بالعمل الصالح وفي الآخرة يفوز بالنعيم المقيم والثواب العظيم ، أتبعه بيان أن الكافر يكون في الدنيا في أنواع الظلمات وفي الآخرة في أصناف الحسرات ، وضرب لكل من حاليه مثلا ، أما المثل الدال على خيبته في الآخرة فذلك قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) قال الأزهري : هو ما يتراءى للعين وقت الضحى الأكبر في الفلوات شبها