صورة الخير من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف وأمثالها مع عدم ابتنائها على أساس الإيمان ، فمثلت حالهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه فقدم إلى أشيائهم وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها بحيث لم يترك منها أثرا وإلا فلا قدوم ولا ما يشبه القدوم ، ولتنزهه سبحانه عن الجسمية وصفاتها. قال أهل المعاني : القادم إلى الشيء قاصد له فالقصد هو المؤثر في القدوم فأطلق اسم المسبب على السبب مجازا. وقيل : أراد قدوم الملائكة بأمره إلى موضع الحساب في الآخرة. والهباء ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار. وقال مقاتل : إنه الغبار الذي يسطع من حوافر الدواب وفي أمثالهم أقل من الهباء شبه عملهم بالهباء في قلته وحقارته. وأكد المعنى بوصف الهباء بالتناثر لأنك تراه منتظما مع الضوء حتى إذا حركته الريح تناثر وذهب كل مذهب. والمراد : جعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر ولام الهباء واو بدليل الهبوة بمعناه. ثم ميز حال الأبرار عن حال الفجار بقوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ) ووجه صحة التفضيل ما بين في قوله : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) أو التفاوت بين المنزلتين إنما يرجع إلى الموضع والموضع من حيث إنه موضع لا شر فيه ، أو هو على سبيل الفرض أي لو كان لهم مستقر كان مستقر أهل الجنة خيرا منه. والمستقر مكان الاستقرار والمقيل المكان الذي يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم والاستمتاع بمغازلتهنّ وملامستهنّ كحال المترفين في الدنيا ، ولا نوم في الجنة وإنما سمى مكان دعتهم واسترواحهم إلى الحور مقيلا على طريق التشبيه ، وفي اختيار لفظ الأحسن دون أن يقول «خير مقيلا» رمزا إلى التحسنات الحاصلة في مقيلهم من حسن الوجوه وملاحة الصور وغير ذلك. قال ابن مسعود : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وعن سعيد بن جبير : إن الله تعالى إذا أخذ في فصل القضاء قضى بينهم كقدر ما بين صلاة الغداة إلى نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وقال مقاتل : يخفف الحساب على أهل الجنة حتى يكون بمقدار نصف يوم من أيام الدنيا ثم يقيلون من يومهم ذلك في الجنة. وحاصل الآية أن أصحاب الجنة من المكان في أطيب مكان ومن الزمان في أحسن زمان. ثم أراد أن يصف أهوال يوم القيامة فقال (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) أي واذكر يوم تتفتح السماء بسبب غمام يخرج منها وفي الغمام الملائكة فينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد. قال الفراء : الباء بمعنى «عن» لأن السماء لا تتشقق بالغمام بل عن الغمام كما يقال : انشقت الأرض عن النبات أي ارتفع التراب عنه عند طلوعه ، وقال القاضي : لا يمتنع أن يجعل الله تعالى الغمام بحيث يشقق السماء باعتماده عليها. عن مقاتل : تشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وكذلك تتشقق سماء