الحجارة. (أَفَلَمْ يَكُونُوا) في مرات مرورهم على تلك القرية في متاجرهم إلى الشام (يَرَوْنَها بَلْ كانُوا) قوما كفروا بالبعث لا يتوقعون نشورا وعاقبة فمن ثم لم ينظروا إلى آثار عذاب الله نظر عبرة وادكار. (وَ) من جملة كفرهم وعنادهم أنهم (إِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا) محل هزؤ. ثم فسر ذلك الاستهزاء بأنهم يقولون مشيرين إليه على سبيل الاستحقار. هذا الذي بعثه الله حال كونه رسولا بزعمه. ويجوز أن يكون تسميته رسولا استهزاء آخر من حيث إنه تسليم وإقرار في معرض الجحود والإنكار. وفي هذا جهل عظيم لأنهم إن استحقروا صورته فإنه أحسنهم خلقا وأعدلهم مزاجا مع أنه لم يكن يدعي التميز بالصورة ، وإن استهزؤا بالمعنى فبه قد وقع التحدي بظهور المعجز عليه وقامت الحجة عليهم فهم أحق بالاستهزاء منه حين أصروا على الباطل بعد وضوح البرهان على الحق ، ولقد شهد عليهم بمضمون هذا التقرير ابن أخت خالتهم إذ قالوا (إِنْ كادَ) هي مخففة من الثقيلة واللام في (لَيُضِلُّنا) هي الفارقة كأنهم سلموا أنه لقوة العقل وسطوع الحجة شارف أن يغلبهم على دينهم ويقلبهم عن طريقتهم لو لا فرط لجاجهم وصبرهم على عبادة آلهتهم. أطلقوا المقاربة أوّلا ثم قيدوها بلو لا الامتناعية ثانيا ، وفيه أنه صلىاللهعليهوسلم بذل قصارى مجهوده في دعوتهم حتى شارفوا على الإيمان بزعمهم. وحين وصفوه بالإضلال والمضل لا بد أن يكون ضالا في نفسه فكأنهم وصفوه بالضلال فلا جرم أوعدهم الله على ذلك بقوله (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إلى آخر الآية. وإنما يرون العذاب عند كشف الغطاء عن بصر البصيرة. ثم بين إنه لا تمسك لهم فيما ذهبوا إليه سوى التقليد واتباع هوى النفس فقال معجبا لرسوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قدم المفعول الثاني للعناية كما تقول : علمت منطلقا زيدا. ثم نفى أن يكون هو حافظا عليهم كقوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام : ١٠٧] (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢٢] قال الكلبي : نسختها آية القتال. عن سعيد بن جبير : كان الرجل يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخد آخر. ثم أضرب عن ذمهم باتخاذ الهوى إلها إلى نوع آخر أشنع في الظاهر قائلا : أم يحسب وهي منقطعة ومعناه «بل» أيحسب وخص أكثرهم بالذكر إما لصون الكلام عن المنع على عادة الفصحاء العقلاء ، وإما لأن منهم من كان يعرف الحق إلا أن حب الرياسة يحمله على الخلاف. وإنما نفى عنهم السماع والعقل لانتفاء فائدتهما وأثرهما. وباقي الآية تفسيرها مذكور في آخر الأعراف في قوله (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأنعام : ١٧٩] قال جار الله : جعلوا أضل من الأنعام لأنها تنقاد لأربابها التي تعلفها وتعرف المحسن من المسيء وتجذب المنافع وتجتنب المضارّ وتهتدي للمراعي والمشارب ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ، ولا يطلبون أعظم المنافع وهو الثواب ، ولا يتقون أشد المضارّ وهو العقاب ، ولا يهتدون للحق الذي هو