الطير سميت بذلك لطول عنقها ، وكانت تسكن جبلهم وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة. ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا. وقيل : هم أصحاب الأخدود والرس عند العرب الدفن يقال : رس الميت : إذا دفن وغيب في الحفيرة. وقيل : الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار وستجيء القصة في سورة يس. وعن علي رضياللهعنه أنهم قوم يعبدون شجرة الصنوبر رسوا نبيهم في الأرض. وقيل : هم قوم كانت لهم قرى على شاطىء نهر يقال له الرس من بلاد المشرق ، فبعث الله تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانا ثم حفروا بئرا فرسوه فيها وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا ، وكان عامة قومهم يسمعون أنين نبيهم يقول : إلهي وسيدي ترى ضيق مكاني وشدة كربي وضعف قلبي فعجل قبض روحي حتى مات ، فأرسل الله تعالى ريحا عاصفة شديدة الحمرة وصارت الأرض من تحتهم حجر كبريت متوقدا وأظلتهم سحابة سوداء فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص. وروى ابن جرير بإسناده إلى النبي صلىاللهعليهوسلم : إن الله بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا عبد أسود ، ثم عدوا على الرسول فحفروا له بئرا فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه حجرا ضخما ، فكان ذلك العبد يحتطب فيتشري له طعاما وشرابا ويرفع الصخرة ويدليه إليه وكان كذلك ما شاء الله فاحتطب يوما فلما أراد أن يحملها وجد نوما فاضطجع فضرب الله على آذانه سبع سنين. ثم انتبه وتمطى وتحول لشقه الآخر فنام سبع سنين ، ثم هب فاحتمل حزمته وظن أنه نام ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته فاشترى طعاما وشرابا وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحدا ، وكان قومه استخرجوه فآمنوا به وصدقوه وذلك النبي يسألهم عن الأسود فيقولون : لا ندري حاله حتى قبض الله تعالى النبي وقبض ذلك الأسود فقال صلىاللهعليهوسلم : إن ذلك الأسود أول من يدخل الجنة. قلت هذه الرواية إن صحت فلا مدخل لها في المقصود فإن المقام يقتضي أن يكون قوما كذبوا نبيهم فأهلكوا لأجل ذلك.
أما قوله (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ) فالمشار إليه ما ذكر من الأمم وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك ومثله قول الحاسب «فذلك كذا» أي فما ذكر من الأعداد مجموعها كذا (وَكُلًّا) من الأمم والقرون (ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) بينا له القصص العجيبة ليعتبروا ويتعظوا (وَكُلًّا تَبَّرْنا) أهلكنا أشنع الإهلاك حين لم ينجع فيهم ضرب المثل. والتتبير التفتيت والتكسير. و (كُلًّا) الأول منصوب بما دل عليه ضربنا له الأمثال وهو أنذرنا أو حذرنا (كُلًّا) الثاني منصوب بـ (تَبَّرْنا) لأنه ليس بمشتغل عنه بضميره. والضمير في (وَلَقَدْ أَتَوْا) لقريش ، والقرية سدوم من قرى قوم لوط وكانت خمسا ، ومطر السوء