يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) أي بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة الذي كأنه مثل في البطلان إلا ونحن نأتي بالجواب الحق الذي لا محيد عنه وبما هو أحسن معنى ومؤدى من سؤالهم. قال جار الله : لما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا : تفسير الكلام كيت وكيت كما قيل : معناه كذا وكذا. ووجه آخر وهو أن يراد (وَلا يَأْتُونَكَ) بحال وصفة عجيبة يقولون هلا كانت صفته وحاله أن ينزل معه ملك أو يلقى إليه كنز أو ينزل عليه القرآن جملة إلا أعطيناك نحن ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا وما هو أحسن بيانا لما بعثت به ، ومن جملة ذلك تنزيل القرآن مفرقا منجما فإن ذلك أدخل في الإعجاز كما مر ، ثم أوعد هؤلاء الجهلة بأنهم شر مكانا من أهل الجنة والبحث عنه نظير ما مر في صفة أهل الجنة خير مستقرا. قال جار الله : كأنه قيل لهم : إن الذي يحملكم على هذه الأسئلة هو أنكم تضللون سبيله صلىاللهعليهوسلم وتحتقرون مكانه ومنزلته ، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوهكم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه وسبيلكم أضل من سبيله. عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أثلاث : ثلث على الدواب وثلث على وجوههم وثلث على أقدامهم ينسلون نسلا». ثم ذكر طرفا من قصص الأولين على عادة افتنانه في الكلام تنشيطا للأذهان وتسلية لنبيه كأنه قال : لست يا محمد بأول من أرسلناه فكذب وآتيناه الآيات فردّ بل آتينا موسى التوراة وقويناه بأخيه ومع ذلك كذب ورد. ومعنى الوزير تقدم في «طه». والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضا. ولاشتراكهما في النبوة قيل لهما (اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) إن حملناه على تكذيب آيات الإلهية فظاهر ، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة فاللفظ ماض والمعنى على الاستقبال على عادة إخبار الله تعالى. ويجوز أن يراد إلى القوم الذين آل حالهم إلى أن كذبوا فدمرناهم ، وعلى هذا فلا حذف. والتدمير الإهلاك (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) بأن كذبوه وكذبوا من قبله من الرسل صريحا كأنهم لم يروا بعثة الرسل أصلا كالبراهمة ، أو لأن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب كلهم (أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ) أي إغراقهم وقصتهم (لِلنَّاسِ آيَةً) محل اعتبار (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) وهم قوم نوح أو لكل من سلك سبيلهم في التكذيب. وقصة عاد وثمود مذكورة مرارا ، وأما الرس فعن أبي عبيدة أنه البئر غير المطوية ، والقوم كانوا من عبدة الأصنام أصحاب آبار ومواش ، بعث الله عزوجل إليهم شعيبا فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ، فبيناهم حول الرس انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم. وقيل : الرس قرية بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود. وقيل : هم أصحاب النبي حنظلة بن صفوان ابتلاهم الله بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من