المضارّ وجلب المنافع ويتمسك بقاعدة التنزيه والتحميد. وفي وصفه ذاته بالحي الذي لا يموت إشارة إلى أن الذي يوثق به في المصالح يجب أن يكون موصوفا بهذه الصفة وليس إلا الله وحده. وعن بعض السلف أنه قرأها فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق وإلا صار ضائعا إذا مات ذلك المخلوق. ثم ختم الآية بما لا مزيد عليه في الوعيد أي لا يحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم قادر على مجازاتهم. ومعنى كفى به أي حسبك وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك «كفى بالعلم جمالا وكفى بالأدب مالا». ثم زاد لعلمه وقدرته مبالغة وبيانا فقال : (الَّذِي خَلَقَ) إلخ. وقد سبق تفسيره في «الأعراف» وأما قوله (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ففيه وجوه. قال الكلبي : الضمير في (بِهِ) يعود إلى ما ذكر من خلق السماء والأرض والاستواء على العرش. والباء من صلة الخبير قدمت لرعاية الفاصلة وذلك الخبير هو الله عزوجل لأن كيفية ذلك الخلق والاستواء لا يعلمها إلا الله سبحانه. وعن ابن عباس أن ذلك الخبير هو جبرائيل. وقال الأخفش والزجاج : الباء بمعنى «عن» فسأل به مثل «اهتم به» واشتغل به وسأل عنه كقولك «بحث عنه وفتش عنه». قال تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١]. وقال ابن جرير : الباء زائدة والمعنى فاسأله حال كونه عالما بكل شيء. وجوز جار الله أن تكون الباء تجريدية كقولك «رأيت به أسدا» أي برؤيته. والمراد فاسأل بسؤاله خبيرا أي إن سألته وجدته عالما به. وقيل : الباء للقسم ولعل الوجه الأول أقرب إلى المراد نظيره (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر : ١٤].
ثم أخبر عن قوم أنهم (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) والواو عاطفة وقعت في كلام فحكي كما هو فاحتمل أنهم جهلوا الله سبحانه ، واحتمل أنهم عرفوه لكن جحدوه ، واحتمل أنهم عرفوه بغير هذا الاسم فلهذا سألوا عنه ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى تفسير آخر لقوله (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) وهو أن الرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل : فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره وكانوا يقولون : ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة. قال القاضي : والأقرب أن المراد إنكارهم لله لا للاسم لأن هذه اللفظة عربية وهم يعلمون أنها تفيد المبالغة في «الأنعام». ثم إن قلنا : إنهم كانوا منكرين لله فالسؤال عن الحقيقة كقول فرعون (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٢٣] وإن قلنا : إنهم كانوا مقرين لكنهم جهلوا أنه تعالى سمي بهذا الاسم فالسؤال عن الاسم. ومعنى (لِما تَأْمُرُنا) للذي تأمرنا بمعنى تأمرنا بسجوده مثل «أمرتك الخير» فاتسع أولا ثم حذف ثانيا. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية أي لأمرك لنا ومن قرأ على الغيبة فالضمير لمحمد أو للمسمى بالرحمن كأنهم قالوا هذا القول فيما بينهم.