بالتوبة ، وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يحبط الله عمله ويثبت عليه السيئات. وذهب سعيد بن المسيب ومكحول إلى ظاهر الآية وهو أنه تعالى يمحو السيئة عن العبد ويثبت له بدلها الحسنة ، وأكدوا هذا الظاهر بما روي عن أبي هريرة مرفوعا «ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات». وقال القاضي والقفال : إنه تعالى يبدل بالعقاب الثواب فذكر السبب وأراد المسبب. ثم عمم الحكم فذكر أن جميع الذنوب بمنزلة الخصال المذكورة أي ومن يترك المعاصي كلها ويندم عليها وأتى بالعمل الصالح فإنه بذلك تائب إلى الله عزوجل متابا مرضيا مكفرا للخطايا. ويجوز أن ترجع الفائدة إلى تخصيص اسم الله أي فإنه تائب متابا إلى الله الذي هو المفيض لكل الخيرات يعرف حق التائبين ويفعل بهم ما يليق بكرمه ، ويحتمل أن ترجع الفائدة إلى تنكير متابا. والمتاب المرجع أي يرجع إلى الله مرجعا حسنا أي مرجع ، وقيل : هو وعد للتائبين المخلصين فيما مضى بأنه سيوفقهم للتوبة في المستقبل. ثم وصفهم بأنهم لا يشهدون الزور. فإن كان من الشهادة فالمضاف محذوف أي لا يشهدون شهادة الزور ، وإن كان من الشهود الحضور فللمفسرين أقوال : فعن قتادة : هي مجالس الباطل. وعن أبي حنيفة : اللهو والغناء. وعن مجاهد : أعياد المشركين. وعن ابن عباس : هي المجالس التي يقال فيها الزور والكذب على الله تعالى وعلى رسوله. والتحقيق أنه يدخل فيه حضور كل موضع يجري فيه ما لا ينبغي كمحاضر الكذابين ومجالس الخطائين وكالنظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة ، لأن الحضور والنظر إلى تلك المجالس دليل الإهانة وبعث لفاعله عليه لا زجر له عنه. وفي مواعظ عيسى بن مريم «إياكم ومجالسة الخطائين» (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) وهو كل ما ينبغي أن يلغي ويطرح (مَرُّوا كِراماً) مكرمين أنفسهم عن الخوض فيه مع المشتغلين به. وأصل الكلمة من قولهم «ناقة كريمة» إذا كانت لا تبالي بما يحلب منها للغزارة ، فاستعير للصفح عن الذنب. ويقال : تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه عن ذلك. وقيل : إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا. وقيل : إذا ذكروا النكاح كفوا عنه. قال جار الله : قوله (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها) ليس نفيا للخرور ولكنه إثبات له ونفي للصمم والعمى كما تقول : لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام لا للقاء. والمراد أنهم إذا ذكروا بآيات الله أي وعظوا بها ونبهوا حرصوا على استماعها بآذان واعية وعيون باكية لا كالمنافقين الذين يظهرون الحرص الشديد على استماعها وهم كالصم والعميان لا يعونها ولا يبصرون ما فيها فهم متساقطون عليها غير منتفعين بها. قوله (مِنْ أَزْواجِنا) «من» للبيان وتسمى في علم البيان تجريدية كأنه قيل : هب لنا قرة أعين ، ثم فسرت القرة بالأزواج والذرية كقولهم «رأيت منك