الفاعل أي لو لا إيمانكم أو لو لا عبادتكم أو لو لا دعاؤكم إياه في الشدائد كقوله (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ) [العنكبوت : ٦٥] أو لو لا شكركم له على إحسانه كقوله (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) [النساء : ١٤٧] أو ما يصنع بعذابكم لو لا دعاؤكم معه آلهة ، أو ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم أو تستغفروني فأغفر لكم. قوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أي إذا أعلمتكم أني لا أعتد بعبادي إلا لعبادتهم فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي. (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) وهو عقاب الآخرة نظيره قول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني فقد عصيت فسوف ترى عقوبتي. والخطاب لجنس الإنس وإذا وجد في جنسهم التكذيب فقد صح الخطاب ، والأوجه أن يترك اسم «كان» غير منطوق به ليذهب الوهم كل مذهب من أنواع الإيعاد. وقيل : يكون العقاب لزاما. وعن مجاهد : هو القتل يوم بدر وقد لوزم إذ ذاك بين القتلى لزاما والله تعالى أعلم.
التأويل : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا) فيه كمال القدرة وإن أمر النبوة ليس يتعلق بالقربات والمزاجات بل بمحض المشيئة الأزلية. ويروى أن موسى عليهالسلام سئم الرسالة وتبرم في بعض الأيام فأوحى الله تعالى : في ليلة واحدة إلى ألف من بني إسرائيل فأصبحوا أنبياء ، فضاق قلب موسى وغار وقال : يا رب إني لا أطيق ذلك. فقبض الله أرواحهم في ذلك اليوم. وفيه كمال الحكمة فإن العزة في القلة ومنه تظهر فائدة الخاتمة وعموم رسالته ، وفيه تأديب الخواص وعصمتهم عن رؤية الأعمال. فلا تطع كفار النفس وسائر القوى البدنية (وَجاهِدْهُمْ) بهذا الخلاق (جِهاداً كَبِيراً) لا تواسيهم بالرخص ولكن يحملهم على العزائم (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ) بحر الروح وبحر النفس (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) من الأخلاق الحميدة الربانية (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) من الصفات الذميمة الحيوانية. والبرزخ هو القلب. وفائدة مرج الأجاج هو احتياج الإنسان إلى الأخلاق الذميمة لدفع المضرات الدنيوية والأخروية في مقامها. وحرام على الروح أن تكون منشأ الأخلاق الذميمة ، وعلى النفس أن تكون معدن الأخلاق الحميدة (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) أهل النسب هم الذين صحت نسبتهم إلى عالم الأمر وهو قوله (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [ص : ٧٢] وأهل الصهر هم الذين بقوا في عالم الخلق واختلطوا بالصفات البشرية من الحرص والشهوة والغضب ، وأشار إلى هذا الصنف بقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [يونس : ١٨] الآية وكان كافر النفس على ربه ظهيرا في إظهار صفة قهره لأنه مظهرها (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) لأهل النسب (وَنَذِيراً) لأهل الصهر إلا من شاء إلا أجر من شاء أن يتوسل إلى الرب بطاعته إياي وبخدمته لي. ومن هاهنا قال المشايخ : يصل المريد بالطاعة إلى الجنة وبتعظيم الشيخ وإجلاله إلى الله. (وَتَوَكَّلْ) أصل التوكل أن