وحين سلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذه القصص المؤكدة بالمكررات المختتمة بالمقررات عاد إلى مخاطبته قائلا (وَإِنَّهُ) أي وإن الذي نزل عليك من الأخبار (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي منزله. والباء في (نَزَلَ بِهِ) على القراءتين للتعدية ولكنها في قراءة التشديد تقتضي مفعولا آخر هو الروح أي جعل الله تعالى الروح الأمين نازلا به على قلبك محفوظا مفهوما (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة : هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد صلىاللهعليهوسلم. ويجوز أن يكون قوله (بِلِسانٍ) متعلقا بـ (نَزَلَ) أي نزله (بِلِسانٍ عَرَبِيٍ) لتنذر به فإنه لو نزله بالأعجمي لقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه. ومن هذا الوجه ينشأ فائدة أخرى لقوله (عَلى قَلْبِكَ) أي نزلناه بحيث تفهمه ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك. والظاهر من نقل أئمة اللغة أن القلب والفؤاد مترادفان. ونقل الإمام فخر الدين الرازي عن بعضهم أن القلب هو العلقة السوداء في جوف الفؤاد وذكر كلاما طويلا في أن محل العقل هو القلب دون الدماغ وهو المخاطب في الحقيقة فلهذا قال (نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) ونحن قد تركناه لقلة تعلقه بالمقام ولضعف دلائله مع مخالفته لما عليه معظم أرباب المعقول. قوله (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) يعني أن ذكر القرآن مثبت في الكتب السماوية للأمم المتقدمة ، وإن معاني القرآن في تلك الزبر. وقد يحتج به لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة. وقيل : الضمير فيه وفي (أَنْ يَعْلَمَهُ) للنبي صلىاللهعليهوسلم وأنه حجة ثابتة على نبوته قد شهد بها علماء بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره من الذين أسلموا منهم واعترفوا أن نعته وصفته في كتبهم مذكور ، وكان مشركوا قريش يذهبون إلى اليهود يتعرفون منهم هذا الخبر. من قرأ (يَكُنْ) بالتذكير و (آيَةً) بالنصب على الخبر والاسم (أَنْ يَعْلَمَهُ) فظاهر ، ومن قرأ تكن بالتأنيث و (آيَةً) بالرفع على الاسم والخبر (أَنْ يَعْلَمَهُ) فقيل : ليست بقوية لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا. ويمكن أن يجاب بأن الفعل المضارع مع أن ليس من المعارف الصريحة ، وقد توجه هذه القراءة بتقدير ضمير القصة في تكن وجملته (آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) و (لَهُمْ) لغوا أو (لَهُمْ آيَةً) و (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدل من آية. قال جار الله : إنما كتب علموء بالواو على لغة من يميل الألف إلى الواو ولذلك كتبت الصلاة والزكوة بالواو. ثم أكد بقوله (وَلَوْ نَزَّلْناهُ) ما مر من آية لو نزله بالأعجمي فقرأه عليهم بعض الأعجمين لم يؤمنوا به لأنهم لم يكونوا يفهمونه. وقال جار الله : معناه ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلا أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا فصيحا معجزا متحدّى به لكفروا به كما كفروا ولتمحلوا لجحودهم عذرا ولسموه سحرا. ثم قال (كَذلِكَ) أي مثل هذا السلك (سَلَكْناهُ) في قلوبهم وقررناه فيها فعلى أيّ وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى تغييرهم عما هم