عليه من الإنكار والإصرار ، وقد سبق مثل هذه الآية في أول «الحجر». والحاصل أنهم لا يزالون على التكذيب حتى يعاينوا الوعيد ، وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن اليأس إحدى الراحتين. قال في الكشاف : ليس الفاء في قوله (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَيَقُولُوا) لأجل ترادف العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة ، وإنما المعنى ترتيبها في الشدة كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة. فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة. نظيره قولك : إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله ، لا تريد الترتيب في الوجود ولكن في الشدة. قلت : هذا معنى صحيح ولكن لا مانع من إرادة الترتيب والتعذيب في الوجود يظهر بالتأمل إن شاء الله العزيز. ثم نكرهم بقوله (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) وفيه إنكار وتهكم أي كيف يستعجل العذاب من لا طاقة له به حتى استمهل بعد أن كان من العمر في مهلة؟ وجوز في الكشاف أن يكون (يَسْتَعْجِلُونَ) حكاية حال ماضية يوبخون بها عند استنظارهم ، أو يكون متصلا بما بعده وذلك أنهم اعتقدوا العذاب غير كائن فلذلك استعجلوه وظنوا أنهم يمتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن ، فأنكر الله عليهم استعجالهم الصادر عن الأشر والبطر والاستهزاء والاتكال على طول الأمل. ثم قال : هب أن الأمر كما ظنوه من التمتع والتعمير فإذا لحقهم الوعيد أو الأجل أو القيامة هل ينفعهم ذلك؟. عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له : عظني فتلا عليه هذه الآية فقال له ميمون : لقد وعظت فأبلغت.
ثم بين أنه ما أهلك قرية إلا بعد إلزام الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم ، وعلى هذا يكون (ذِكْرى) متعلقة بـ (أَهْلَكْنا) مفعولا له. ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا لـ (أَنْذِرْ) بمعنى التذكرة فإن (أَنْذِرْ) وذكر متقاربان ، أو حالا من الضمير في (مُنْذِرُونَ) أو مفعولا له متعلقا به أي ينذرونهم ذوي تذكرة أو لأجل الموعظة والتذكير ، أو التقدير : هذه ذكرى فالجملة اعتراض. ويجوز أن يكون صفة لـ (مُنْذِرُونَ) على حذف المضاف أي ذوو ذكرى ، أو جعلوا ذكرى لبلوغهم في التذكرة أقصى غاياتها. والبحث عن وجود الواو وعدمه في مثل هذا التركيب قد مر في أول الحجر في قوله (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] إلا أنا نذكر هاهنا سبب تخصيص تلك الآية بالواو وهذه بعدم الواو فنقول : لا ريب أن الواو تفيد مزيد الربط والاجتماع في الحال وفي الوصف إن جوزتا : فسواء قدرنا الجملتين أعني قوله (وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] وقوله (لَها مُنْذِرُونَ) حالا أو وصفا فالمقام يقتضي ورود النسق على ما ورد ، وذلك أن قوله (وَلَها كِتابٌ) صفة لازمة للقرية فإن الكتب في اللوح وصف أزلي فناسب أن يكون في