لهم أمر الدين ولا يلزمهم أن يتمسكوا به وذلك بأن بينا لهم حسنه وما لهم فيه من الثواب (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) يعدلون ويتحيرون عما زينا لهم قاله الحسن (لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) أي القتل والأسر كيوم بدر. ثم مهد مقدمة لما سيذكر في السورة من الأخبار العجيبة فقال (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) لتؤتاه وتلقنه من عند أيّ حكيم وأيّ عليم. و (إِذْ قالَ) منصوب بـ (عَلِيمٍ) أو باذكر كأنه قيل : خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى العجيبة الشأن. والخبر خبر الطريق لأنه كان قد ضله. وفي قوله (سَآتِيكُمْ) مع قوله في «طه» و «القصص» (لَعَلِّي آتِيكُمْ) [طه : ١٠] دليل على أنه كان قوي الرجاء إلا أنه كان يجوّز النقيض ، وعد أهله بأنه يأتيهم بأحد الأمرين وإن أبطأ لبعد المسافة أو غيره. قالوا : في «أو» دليل على أنه جزم بوجدان أحد الأمرين ثقة بعناية الله تعالى أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده والاصطلاء بالنار الاستدفاء بها والاجتماع عليها وإنما خصت هذه السورة بقوله (فَلَمَّا جاءَها) وقد قال في «طه» و «القصص» (فَلَمَّا أَتاها) [طه : ١١] (نُودِيَ) لأنه كرر لفظ (آتِيكُمْ) هاهنا بخلاف السورتين فاحترز من تكرار ما يقاربه في الاشتقاق مرة أخرى. و (أَنْ) مفسرة لأن النداء فيه معنى القول لا مخففة من الثقيلة بدليل فقدان «قد» في فعلها. قال جار الله : معنى (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) بورك من في مكان النار ، ومن حول مكانها ، ومكانها البقعة التي حصلت النار فيها كما قال في القصص (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) [القصص : ٣٠] وسبب البركة حدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله إياه وإظهار المعجزات عليه. وقيل : معنى بورك تبارك ، والنار بمعنى النور أي تبارك من في النار وهو الله سبحانه مروي عن ابن عباس. وعن قتادة والزجاج أن من في النار هو نور الله ، ومن حولها الملائكة. وقال الجبائي : ناداه بكلام سمعه من الشجرة في البقعة المباركة وهي الشام فكانت الشجرة محلا للكلام والمتكلم هو الله بأن خلقه فيها ، ثم إن الشجرة كانت في النار ومن حولها الملائكة. وقيل : من في النار هو موسى لقربه منها ، ومن حولها الملائكة. وفي الابتداء بهذا الخطاب عند مجيء موسى بشارة له بأنه قد قضي أمر عظيم تنتشر منه البركة في أرض الشام.
وفي قوله (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تنزيه له عما لا يليق بذاته من الحدوث والحلول ونحوهما مما هو من خواص المحدثات ، وتنبيه على أن الكائن من جلائل الأمور التي لا يقدر عليها إلا رب العالمين. والهاء في (إِنَّهُ) إما للشأن وإما راجع إلى ما دل عليه سياق الكلام أي أن المتكلم (أَنَا) وعلى هذا فالله مع وصفيه بيان لانا وفيه تلويح إلى ما أراد إظهاره عليه ، يريد أنا القادر القوي على إظهار الخوارق الحكيم الذي لا يفعل جزافا