ولا عبثا. وقوله (وَأَلْقِ عَصاكَ) معطوف على (بُورِكَ) وكلاهما تفسير لـ (نُودِيَ) والمعنى : قيل له بورك وألق : ومعنى (لَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع يقال : عقب المقاتل إذا كر بعد الفر. وإنما اقتصر هاهنا على قوله (لا تَخَفْ) ولم يضف إليه أقبل كما في «القصص» لأنه أراد أن يبني عليه قوله (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) وسبب نفي الخوف عن الرسل مشاهدة مزيد فضل الله وعنايته في حقهم. ثم استثنى من ظلم منهم بترك ما هو أولى به ، وقد مر بحث عصمة الأنبياء في أول «البقرة». وفي الآية لطائف وإشارات منها : أنه أشار بقوله (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) إلى أن موسى قد جعل رسولا. ومنها أنه أشار بقوله (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) إلى ما وجد من موسى في حق القبطي ، وبقوله (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) أي توبة بعد ذنب إلى قول موسى (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص : ١٦] وقرىء «ألا» بحرف التنبيه. ومنها أنه أشار بقوله (ثُمَّ بَدَّلَ) معطوفا على (ظَلَمَ) إلى أن النبي المرسل بدّل النية ولم يصر على فعله وإلا كان هذا العطف مقطوعا عن الكلام ضائعا ، فإنه إذا ظلم ولم يبدل كان خائفا أيضا. ومنها أنه أشار بقوله (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) إلى أن الخوف وإن لحق المستثنى إلا أنه منفي عنه أيضا بسبب غفرانه ورحمته ، فنفي الخوف ثابت على كل حال فهذا الاستثناء قريب من تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله :
هو البدر إلا أنه البحر زاخر
وكقوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
وهذه اللطائف مما سمح بها الخاطر أوان الكتابة أرجو أن تكون صوابا إن شاء العزيز. قوله (وَأَدْخِلْ يَدَكَ) وفي «القصص» (اسْلُكْ يَدَكَ) [القصص : ٣٢] موافقة لأضمم ولأن المبالغة في (أَدْخِلْ) أكثر منها في (اسْلُكْ) لأن سلك لازم ومتعد. وهناك قال (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص : ٣٢] وهاهنا قال (فِي تِسْعِ آياتٍ) وكان أبلغ في العدد فناسب الأبلغ في اللفظ. قال النحويون : متعلق الجار محذوف مستأنف أي أذهب في تسع آيات. أو المراد وأدخل يدك في تسع أي في جملتهن وعدادهن ، اذهب إلى فرعون. وتفسير التسع قد مر في آخر «سبحان» وإنما قال هاهنا (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) دون أن يقول (وَمَلَائِهِ) [الآية : ٣٢] كما في القصص لأن الملأ أشراف القوم وقد وصفهم هاهنا بقوله (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ) إلى قوله (ظُلْماً وَعُلُوًّا) فلم يناسب أن يطلق عليهم لفظ ينبىء عن المدح. ومعنى (مُبْصِرَةً) ظاهرة بينة كأنها تبصر بطباق العين فتهدي ، ويجوز أن يكون الإبصار مجازا باعتبار إبصار صاحبها وهو