المراد الاسم لا المسمى وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف أو منادى. (قالُوا) أي فيما بينهم (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) الجار والمجرور في محل الحال أي بمرأى منهم ومنظر أو معاينا ومشاهدا قال. في الكشاف : معنى الاستعلاء في «على» أنه يثبت إتيانه في الأعين ويتمكن ثبات الراكب على المركوب وتمكنه منه (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) عليه بما سمع منه وبما فعله فيكون حجة عليه قاله الحسن وقتادة والسدي وعطاء عن ابن عباس. وقال محمد بن إسحق : معناه لعلهم يحضرون عقوبتنا له ليكون ذلك زاجرا لهم عن الإقدام على مثل فعله. وهاهنا إضمار أي فأتوا به ثم (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) الظلم والاستخفاف (بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) طلبوا منه الاعتراف ليقدموا على إيذائه فـ (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) وقوله (هذا) صفة كبيرهم.
زعم الطاعنون في عصمة الأنبياء أن هذا القول من إبراهيم كذب وأكدوا قولهم بما جاء في الحديث «إن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات» وللعلماء في جوابهم طريقان : أحدهما تسليم أنه كذب ولكنهم قالوا : الكذب ليس قبيحا لذاته وإنما يقبح لاشتماله على مفسدة. وقد يحسن الكذب إذا اشتمل على مصلحة كتخليص نبي ونحوه ، وزيف هذا الطريق بأنا لو جوزنا أن يكذب النبي لمصلحة لبطل الوثوق بالشرائع ، فلعل الأنبياء أخبروا عما أخبروا لمصلحة المكلفين في باب المعاش مع أنه ليس للمخبر عنه وجود كما في الواقع. الطريق الثاني وعليه جمهور المحققين المنع من أنه كذب وبيانه من وجوه : الأول أنه من المعاريض التي يقصد بها الحق وهو إلزام الخصم وتبكيته كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط في غاية الحسن ، أنت كتبت هذا وصاحبك أمي لا يحسن الخط فقلت له : بل كتبته أنت. كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع استهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي. الثاني أن إبراهيم عليهالسلام غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مزينة ، وكأن غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو الذي تسبب لاستهانته بها. الثالث أن يكون ذلك حكاية لما يؤل إليه مذهبهم كأنه قال : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبدو يدعى إلها أن يقدر على أمثال هذه الأفعال ، ويؤيد هذا الوجه ما يحكى أنه قال (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) غضب أن تعبد معه هذه الصغار ، الرابع ما يروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله (بَلْ فَعَلَهُ) ثم يبتدىء (كَبِيرُهُمْ هذا) أي فعله من فعله. الخامس عن بعضهم أنه يقف عند قوله (كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ) وأراد بالكبير نفسه لأن الإنسان أكبر من كل صنم. السادس أن في الكلام تقديما وتأخيرا والتقدير «بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم». فيكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطا