رجلي ، فلما بقي هو وضعفاء الناس نادى وقال الله لأكيدن أصنامكم. وروى الكلبي أن إبراهيم كان من أهل بيت ينظرون في النجوم وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضا ، فلما هم إبراهيم بالذي هم به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء فقال لأصحابه : إني أراني أشتكي عدا فذلك قوله في الصافات (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٨ ، ٨٩] وأصبح من الغد معصوبا رأسه ، فخرج القوم لعيدهم ولم يتخلف أحد غيره فقال سرا : أما والله لأكيدن أصنامكم ، فسمعه رجل واحد وأخبر به غيره وانتشر الخبر. وعلى الوجهين يصح قوله فيما بعد (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) وروي أن آزر خرج به في عيد لهم فبدأوا ببيت الأصنام فدخلوه وسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما خرجوا به معهم وقالوا : إلى أن نرجع بركت الآلهة على طعامنا ، فذهبوا وبقي إبراهيم فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنما مصطفة وثمة صنم عظيم مستقبل الباب وكان من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ، فكسرها كلها بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلا الكبير علق الفأس في عنقه (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) قال الجوهري : جذذت الشيء جذا قطعته وكسرته ، والجذاذ ما كسر منه وضمه أفصح من كسره. قلت : فعلى هذا هو اسم جمع لا جمع (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) أي في الخلقة كما روينا. وقيل : في التعظيم. ويحتمل أن يكون جامعا للأمرين. أما الضمير الواحد في قوله (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) فيحتمل عوده إلى إبراهيم أي جعلهم جذاذا واستبقى الكبير رجاء أنهم يرجعون إلى دينه أو إلى السؤال عنه لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم فيبكتهم بقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ) ويحتمل عوده الكبير كما ذهب إليه الكلبي. والمعنى لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحا والفأس على عاتقك ، وهذا بناء على ظنهم أن الأصنام قد تتكلم وتجيب ، على أن نفس ذلك الكبير كان دليلا على فساد مذهبهم لأن الإله يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء لأنهم كانوا يعظمونها ويقولون : إن المستخف بها يلحقه ضرر عظيم ، فحين كسرها إبراهيم ولم ينله ضرر من تلك الجهة بطل ما اعتقدوه. فلما انكشفت لهم جلية الحال و (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا) الكسر والحطم والاستخفاف (بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) المعدودين في جملة من يضع الشيء في غير موضعه لأنه وضع الإهانة مكان التعظيم (قالُوا سَمِعْنا) احتمل أن يكون القائل واحدا ، ونسب القول إلى الجماعة لأنه منهم ، واحتمل أن يكون جمعا على الوجهين اللذين رويناهما ، أو لأنهم سمعوا منه قوله على وجه الاستهزاء (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) والفعلان بعد (فَتًى) صفتان له إلا أن الأول ضروري ذكره لأنك لا تقول «سمعت زيدا» وتسكت حتى تذكر شيئا مما يسمع ، والثاني ليس كذلك. والأصح أن قوله (إِبْراهِيمُ) فاعل (يُقالُ) لأن