فلان ابنه فيمن ثمر المال ، ولا يقال مثله فيمن ضيع. واعترض بأن قبوله على هذا التقدير يكون جزءا من مسمى الرشد وحينئذ لا يصح استناد إيتاء الرشد إلى الله وحده ، وهذا بخلاف نص القرآن. والتمثال اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله تعالى من مثلت الشيء بالشيء شبهته به ، واسم ذلك الممثل تمثال جعل إبراهيم عليهالسلام هذا التجاهل والتغابي ابتداء كلامه لينظر فيما عساهم يوردونه من شبهة فيحلها لهم مع ما في هذا السؤال من تحقير آلهتهم وتسفيه أخلافهم. وفي قوله (أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) دون أن يقول عليها كقوله (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) [الأعراف : ١٣٨] نوع آخر من التجهيل والتوبيخ لأنه ادعى عليهم أنهم جعلوا العكوف مختصا بها دون خالقها وخالق كل شيء (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) لا يمكن لهم أن يتمسكوا بشيء آخر سوى التقليد فزيف طريقتهم بالتنبيه على خطئهم وخطأ أسلافهم فقال : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لأن كل مذهب لا يستند إلى دليل كان صاحبه ضالا أو في حكم ذلك. ثم إن القوم تعجبوا من تضليلهم مع كثرتهم ووحدته ومنعهم عما ألفوه وضروا به فقالوا (أَجِئْتَنا بِالْحَقِ) أي بما ليس بهزل ودعابة (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) فحينئذ عدل إبراهيم عن مجرد التنبيه إلى إثبات الدعوى بالبينة والدليل وجاهدهم أولا باللسان قائلا (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) الظاهر أن الضمير للسموات والأرض إلا أنه قيل : كونه للتماثيل أدخل في تضليلهم وأثبت للاحتجاج عليهم. وقوله وأنا على ذلكم من الشهداء فيه تأكيد وتحقيق لما قاله كقول الرجل إذا بالغ في مدح أحد أو ذمه «أشهد إنه كريم أو لئيم» لأن الشهادة خبر قاطع. وفيه أنه قادر على إثبات ما ادعاه بالحجج والبينات كما شاؤا ثم أخبر أنه سيجاهدهم جهادا بالفعل من غير تقية وخوف قال (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) قال جار الله : في تاء القسم مع أنه عوض عن الباء زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من سهولة الكيد على يده لأن ذلك لصعوبته كان كالمقنوط منه خصوصا في زمن نمرود مع شدة شكيمته وقوة سلطانه. قلت : لا ريب أن هذا مستبعد عادة ولكنه سهل لمن أيده الله ونصره كما قال علي رضياللهعنه : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ولكن بقوة رحمانية.
سؤال : الكيد هو الاحتيال على الغير في ضرر لا يشعر به فكيف يتصور ذلك في حق الأصنام؟ وجوابه أنه قال ذلك بناء على زعمهم أنه يجوز ذلك عليها ، أو أراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل أهمهم وأحزنهم. قال السدي : كانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا ثم عادوا إلى منازلهم ، فلما كان هذا الوقت قال آزر لإبراهيم : لو خرجت معنا؟ فخرج معهم. فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي