في باب الدين حق. ومعنى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة أنه تعالى قد مكنهم من التوصل إلى رحمة الله وثوابه فعدلوا إلى استعجال عذابه. وقال جار الله : خاطبهم صالح على حسب اعتقادهم وذلك أنهم قدروا في أنفسهم إن التوبة مقبولة عند رؤية العذاب فقالوا : متى وقعت العقوبة تبنا حينئذ ، فالسيئة العقوبة ، والحسنة التوبة ، و «لو لا» للتحضيض أي هلا تستغفرون قبل عيان عذابه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بأن يكشف العذاب عنكم. والحاصل أن التوبة يجب أن تقدم على رؤية العذاب ولا يجوز أن تؤخر ، وفيه تنبيه على خطئهم وتجهيل لهم (قالُوا اطَّيَّرْنا) أي تشاء منا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) وكانوا قد قحطوا (قالَ طائِرُكُمْ) أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم (عِنْدَ اللهِ) وهو قضاؤه وقدره أو أراد عملكم مكتوب عنده ومنه ينزل بكم العذاب. ومعنى التطير والطائر قد مر في «الأعراف» وفي «سبحان». ثم جزم بنزول العذاب بقوله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) أي تعذبون أو تختبرون أو يفتنكم الشيطان بوسوسة الطيرة. ثم حكى سوء معاملتهم مع نبيهم بقوله (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) يعنى منزلهم المسمى بالحجر وكان بين المدينة والشام (تِسْعَةُ رَهْطٍ) لم يجمع المميز لأن الرهط في معنى الجمع وهو من الثلاثة إلى العشرة ، أو من السبعة إلى العشرة. والتقاسم التحالف فإن كان أمرا فظاهر وإن كان خبرا فمحله نصب بإضمار «قد» أي قالوا متقاسمين. والتبييت العزم على إهلاك العدوّ ليلا. وأشير على الإسكندر بالبيات فقال : ليس من آيين الملوك استراق الظفر. قال في الكشاف : كأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحا وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين. ثم قالوا لولاة دمه : ما شهدنا مهلك أهله فإذا ذكروا أحدهما كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعا لا أحدهما. قلت : إنما ارتكب هذا التكلف لأنه استقبح أن يأتي العاقل بالخبر على خلاف المخبر عنه. يروى أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث ، فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث ، فخرجوا إلى الشعب مبادرين وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فهذا مكرهم ، فبعث الله صخرة فطبقت عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم ، وعذب الله كلا في مكانه ونجى صالحا ومن معه وهذا مكر الله. وقيل : جاؤا بالليل شاهري سيوفهم وقد أرسل الله الملائكة فدمغوهم بالحجارة يرون الحجارة ولا يرون راميا. من قرأ (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) بالفتح فمرفوع المحل بدلا من العاقبة أو خبرا لمحذوف أي هي تدميرهم ، أو منصوب على أنه خبر «كان» أي كان عاقبة مكرهم الدمار ، أو مجرور تقديره : لأنا وجوز في الكشاف على هذا التقدير أن يكون منصوبا بنزع الخافض. وانتصب (خاوِيَةً) على الحال والعامل معنى الإشارة في تلك. وإنما قال في هذه السورة (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) موافقة لما بعده (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ وَأَمْطَرْنا) وكله على «أفعل». وقال في «حم السجدة» (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [فصلت : ١٨] موافقة لما قبله وما بعده وزينا وقيضنا والله أعلم.