عباس أنه لم يبق يومئذ في الدنيا ونار إلا طفئت. واختلفوا في أن النار كيف بردت؟ فقيل : إنه تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق والله على كل شيء قدير. وقيل : خلق في جسد إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار كما يفعل بخزنة جهنم ، وكذلك في النعامة لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ، والسمندل ولا يؤذيه المقام في النار. وقيل : جعل بينه وبين النار حائلا منع من وصول أثر النار إليه. والمحققون على القول الأول لأن النص دل ظاهره على أن نفس النار صارت باردة ، وليست الحرارة جزءا من مسمى النار حتى يمتنع كونها نارا وهي باردة ، وأما على القولين الآخرين فيلزم أن لا يحصل البرد فيها وهو خلاف النص قوله (وَسَلاماً) أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك حتى كأن ذاتها برد وسلام. والمعنى ابردي حتى يسلم منك إبراهيم ، أو ابردي بردا غير ضار ويناسبه ما روي عن ابن عباس لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها. وقوله (عَلى إِبْراهِيمَ) حال من فاعل الكون أو متعلق بالبرد والسلام ، ولو لا هذا القيد لكانت النار بردا على كافة الخلق ، قوله (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) وفي الصافات (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الآية : ٩٨] لأن في هذه السورة كادهم إبراهيم لقوله (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) وكادوه لقوله (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) فغلبهم إبراهيم لأنه كسر أصنامهم وسلم من نارهم فكانوا هم الأخسرين. وفي الصافات (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) [الصافات : ٩٧] فأججوا نارا عظيمة وبنوا بناء عاليا ورفعوه إليه ورموا به إلى أسفل فرفعه الله وجعلهم في الدنيا من السافلين وفي العقبى في السافلين.
ويروى أنهم بنوا لإبراهيم بنيانا وألقوه فيه ، ثم أوقد عليه النار سبعة أيام ثم أطبقوا عليه ، ثم فتحوا عنه فإذا هو غير محترق يعرق عرقا. فقال لهم حارث أبو لوط : إن النار لا تحرقه لأنه سحر النار ولكن اجعلوه على شيء وأوقدوا تحته فإن الدخان يقتله ، فجعلوه فوق بئر وأوقدوا تحته فطارت شرارة فوقعت في لحية أبي لوط فأحرقته فآمن له لوط كما يجيء في العنكبوت ، وهاجر إلى أرض الشام فذلك قوله (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي بالخصب وسعة الأرزاق أو بالمنافع الدينية لأن أكثر الأنبياء بعثوا فيها. وقيل : ما من ماء أرض عذب إلا وينبع أصله من تحت صخرة بيت المقدس. يروى أنه نزل بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة. وقيل : الأرض مكة (وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) هي ولد الولد وهي حال من يعقوب فقط ، وقيل : النافلة العطية الزائدة ومنه الصلاة النافلة. ونوفل للرجل الكثير العطاء ، وعلى هذا احتمل أن يكون حالا من يعقوب فقط أي سأل إسحق فأعطيه وأعطى يعقوب زيادة وفضلا من غير سؤال.